نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهدهِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ْ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور مُحدثاتها وكل محدثة بدعه، وكل بدعه ضلاله، وكل ضلاله في النار.
ما الفرق بين المفتي والقاضي ؟
هذه الرسالة التاسعة في تقريب علم ابن القيم -رحمه الله عليه-
وفيها عدة مسائل من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم -رحمة الله عليه-، وهذا الكتاب هو كتاب في الأصول، فأغلب مسائله إنما هي مسائل يطرحها علماء الأصول.
فقال هنا أولًا في المسألة الأولى كان يتكلم في مسألة الإفتاء الفتوى والمفتي ومن هو المفتي؟ وما هي أداب الفتوى عمومًا؟
فكان يتكلم في الفارق بين المفتي والقاضي، ما الفرق بين المفتي والقاضي؟
الفتوى أولًا في اللغة: هي التبيين.
أنا أسألك عن شيء، أفتني في كذا، يعني بين لي هذه المسألة، فالفتوى هي التبيين، كما قال تعالى: (قل الله يفتيكم فيهن) أي يبين لكم ما أُشكل عليكم، إذا الفتوى هي التبيين، فكل من سألك في مسألة فبينت له فأنت مفتنٍ فيها.
ما هي أقسام الفتوي؟
والفتوى قسمان: هناك فتوى مطلقة وفتوى مقيدة.
الفتوى المطلقة:هي للعالم المجتهد هذا يسمى مفتي مطلق، كمثل مثلًا شيخ الإسلام ابن تيمية، ابن القيم وغيرهم، هذا يُسمى بالمفتي المطلق
أما مفتي مقيد يقول ابن القيم -رحمه الله- فقد يكون العبد عالمًا بمسألة واحدة، أو عالمًا بباب واحد، أو عالمًا بكتاب واحد، ولكنه يفهم ما فيه فهو مُفتي فيه فإذًا يسمى بالفتوى المقيدة.
فإذا سألك أحد فأجبته فيقولك لك أحدهم: هو أنت مفتي؟، الجواب:
الإفتاء قسمين: مفتي مطلق ومفتي مقيد، ، قاعدة “ليس الشأن في الفتوى أن تكون عالمًا بكل شيء، وإنما الشأن في الفتوى ألا تفتي إلا بعلم ولا تتكلم إلا بما تعلمه من كتاب الله وسنة النبي -عليه الصلاة والسلام” مالا تعلمه فالسكوت أسلم، إذًا حينما أسأل الشيخ كذا في مسألة ما وهو عنده الجواب في هذه المسألة فيقول لا أنا أمتنع لأن هذه مقام فتوى، وأنا لست برجل مفتي لم يقل لك أحد أنك أمير المؤمنين، وإنما الأصل كما قال ابن القيم -رحمه الله- كان الصحابي يسمع حديثًا واحدًا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيذهب فيبلغة لكل من يسمعه منه.
اقرأ أيضا: تعريف الصحابي والتابعي
لذلك مثلًا: حينما تقول لإنسان قم واخطب الجمعة فيقول لك أنا ما زلت أطلب العلم ولم أتعلم بعد وكذا وكذا، إلى آخره، العلم لا ينتهي، تفني الأعمار ولا يفنى العلم، وإنما الأصل في ذلك إذا صعدت على منبر، أو إذا جلست في مجلس، أو إذا تكلمت في مسجد، أو في أيما مكان، ليس الشأن إذا تكلمت في الدين أن تكون عالمًا بكل شيء، وإنما الشأن ألا تتكلم إلا بما تعلم فقط.
لذلك النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: “بلغوا عني ولو آية”، لكن شرط أن تكون تعرف الآية، وتعلم هذه الآية على ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه.
فقال: المفتي أقرب إلى السلام من القاضي لأنه لا يُلزم بفتوى وإنما يُخبر بها من استفتاه فإن شاء قبل قوله وإن شاء تركه، إذًا يؤخذ من هذا في الفرق بين المفتي والقاضي؟
أن المفتي فارق بينه وبين القاضي، المفتي لا يُلزم، القاضي يُلزم ويعاقب، القاضي يُلزم أن تأخذ بهذا القول وإذا لم تأخذ به فيعاقب، هذا للقاضي الذي له السلطة هنا، أما المفتي فالأصل أنك تبين، له فمن سألك عن مسألة ما فبين له، فإن أخذها وإن تركها ليس شأنك، ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾
الهداية نوعان هداية بيان وهداية توفيق
وهنا تأتي مسألة هداية الدلالة وهداية التوفيق.
هل يستلزم من هداية الدلالة أن يهتدي من تهتديه في البيان؟ لا يستلزم أنت تصعد المنبر تتحدث عن ترك الصلاة، 90% ممن في المسجد يخرج ولا يعود لصلاة العصر مثلًا و10% يستجيب، أنت لم تُسأل على هذا ولا تُلزم إن لم يصلي أحد، أنت لست قاضي، إنما أنت الأصل أنك تبين، فإذا أخذ من بينت له فالحمد لله، وإن لم يأخذ هذه المسألة مردها إلى فعل الله بالعبد، ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾.
إذًا الفرق بين المفتي والقاضي، إذا أتيت إليك وسألتك هل هذا من نواقض الوضوء؟ فأجبتني نعم من نواقض الوضوء، وبعد ذلك رأيتني أفعل هذا الشيء، ومع ذلك لم أتوضئ، فأنت هنا مفتنٍ أم قاضٍ؟ أنت بينت لي أما القاضي فله أمران:
- الأمر الأول: يُلزم.
- الأمر الثاني: يُعاقب.
أما أنت فتبين بيان الدلالة, بيان الإرشاد أما إن استجاب من تبين له فالحمد لله، وإن لم يستجيب فليس عليك هداه، هذا الفرق بين القاضي والمفتي.
من هنا تظهر كثير من الحزبيات، أنا أتكلم معك في مسألة من مسائل الصلاة مثلًا، وأنت عندك قول ما فيها، فبينت لك المسألة في هذه المسائل الفرعية، فكثير من الناس تسأل، حينما بينت له هذه المسألة الفرعية، لا أتكلم في أصول مسألة فرعية، ومع ذلك لا يأخذ بها ما أخذ بقول، تجده يهجره بسبب هذه المسألة الفرعية، التي هي داخلة في باب الوضوء، باب الصلاة، باب الزكاة، باب الصيام، إلى آخره.
فهنا قام مقام القاضي أي عاقب، وإن من هنا أنك تفتي والمفتي هو الذي يبين ولا يستلزم لمن بينت له أن يأخذ، لأن هذه راجعة إلى الله -سبحانه وتعالى- قال هنا وأما القاضي فإنه يُلزم بقوله، فيشترك هو والمفتي في الإخبار عن الحكم ويتميز القاضي بالإلزام بالقضاء.
إذًا ملخص المسألة يشترك القاضي والمفتي في أمر، ألا وهو البيان، بيان المسألة، ويفترق القاضي عن المفتي في الإلزام والعقاب.
اختلاف الصحابة في المسائل الفقهية
ثانيًا يقول ابن القيم -رحمه الله-: أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان، إذًا يقول هنا أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام، النزاع في بعض الأحكام الخلاف والاختلاف في مسألة ما، في مسائل من مسائل الأحكام، لكن مع الخلاف في هذه المسألة، فقد اختلف الصحابة في بعض المسائل الفرعية في الأحكام، كما لا يخفى عليكم وذكرنا هذه المسائل كثيرًا، ولكن مع ذلك لم يكن أحدهم حينما يختلف معه في هذه المسائل الأحكام الفرعية، يبدعه أو يكفره أو يخرجه من الإيمان، وإنما تبقى هذه أصول الأخوة، أصول الإيمان في ذلك.
هل صحيح ان لحم الابل ينقض الوضوء؟
واختلف الصحابة في مسائل في التيمم، وفي الوضوء، وفي أمر الصلاة، الشيخ ابن عثيمين أذكر له مسألة -رحمة الله عليه- ونحن تكلمنا في هذه المسألة في باب الإمام والمأموم، وذكرنا كقواعد فيها ذكر -رحمه الله- كان يتكلم في مسائل في الوضوء، قال: وكان عبد الله بن عباس يقول بنقض الوضوء من لحم الإبل وكان عبد الله بن مسعود كذلك، وكانوا يصلون خلف أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، وهم يقولون بأن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، فتجد في هذا الزمان الذي يقول مثل هذا القول ويقول بأن لحم الإبل ناقض، وأن الإمام إذا صلى وهو يقول بأن لحم الإبل ليس بناقد تجده لا يصلي خلفه، قال وهذه من بدع هذا الزمان وإنما البدع تنشأ من الجهل.
هل اختلف الصحابة في العقيدة؟
قال هنا وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام، ولكن بحمد لله لن يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، أي لم يتنازعوا في مسألة من مسائل الاعتقاد، فكلهم على باب الاعتقاد بابًا واحدًا، لم يختلفوا فيه ولا في مسألة واحدة، وهذا كان كلام ابن القيم.
شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على الجهمية وكان بيرد على فخر الرازي، ورد عليه في عشر مجلدات، ذكر هذه المسألة لكن أضاف أمرين:
الأمر الأول: قال ولم يتنازع أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يتنازعوا في مسألة من مسائل الاعتقاد، وإن تنازعوا واختلفوا في مسألة من مسائل الأحكام، والذين قالوا بأنهم اختلفوا في مسائل من مسائل الصفات، ومن مسائل الاعتقاد، لم يفهموا هذا فقد ذكر مسألتين:
المسألة الأولى: بأن الصحابة تختلف في رؤية النبي لرب العالمين هل النبي –عليه الصلاة والسلام- رآه بعيني بصره، أم رآه بفؤاده وقلبه، فعائشة -رضي الله عنها- تنفي بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى ربه بعينيه، وعبد الله بن عباس يثبت أن النبي رأى ربه.
فقال شيخ الإسلام -رحمه الله- وهذا ليس بخلاف على الحقيقة فذكر أولًا الإمام الدارمي، الإجماع في كتاب الإمام الدارمي على أن أصحاب رسول الله أجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرى ربه.
فَصّل ابن تيمية -رحمة الله عليه- فقال هنا بأن نفي عائشة لا ينفي إثبات ابن عباس، يعني أن ابن عباس أثبت الرؤية لكن لم يقل أنه رآه بعينيه، وإنما أثبت رؤية الفؤاد ألا وهي رؤية القلب، وعائشة تنفي الرؤية ألا وهي رؤية العين، إذًا اتفقت عائشة وعبد الله بن عباس في نفي رؤيتي البصر وهذا هو الموافق في صحيح مسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سُئل من حديث أبي ذر أرأيت ربك؟ قال نور أنّ أراه، وفي ضبط (نور إنِ أراه)، فنور إني أراه، لو قلنا بهذا الضبط الثاني أي رأيت نورًا وهذه الرواية في صحيح إمام مسلم، قال: -عليه الصلاة والسلام- نور إني أراه، في الرواية الثانية نور رأيته، الرواية ثالثة أنّ أراه، إذًا النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذه الروايات يثبت أنه رأى نورًا، إذًا هذا ليس بخلاف على الحقيقة.
المسألة الثانية: قال شيخ الإسلام -رحمه الله- قال: وقد اجتمعوا لي وقالوا بأن أصحاب النبي اختلفوا في مسألة من مسائل الصفات، ألا وهي مسألة الساق، كما قال الله -عز وجل- ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ فقالوا إن ابن عباس يقول بأن هذه الآية، يوم يكشف عن ساق أي أن هذا يوم القيامة يوم شديد عسير، وليس فيه إثبات، ليس هذا الكلام ابن عباس، وإنما قالوا ليس فيه إثبات الصفة، إذًا ابن عباس يقول بأن الآية عن شدة يوم القيامة.
وأبو سعيد الخضري يقول يوم يكشف عن ساق إثبات صفة الساق صفة ذاتية لله -سبحانه وتعالى-، لكيفية هو يعلمها -سبحانه وتعالى-، فقالوا هنا اختلفوا في آية من آيات الصفات، يريد أن يصل إلي إذا كان الصحابة اختلفوا في مسائل العقيدة ولم يبدع أحدهما الآخر، فكذلك إذا اختلفنا في أمور الاعتقاد فلا يبدع أحدنا الآخر، قال نفس هذا كلام الكثير من الدعاة.
ابن تيمية -رحمة الله عليه- يقول لهم ليس إثبات أبي سعيد الخدري لصفة الساق، نفيًا لما يقوله ابن عباس أن يوم القيامة شديد، وليس إثبات ابن عباس أن الساق في هذه الآية هو شدة يوم القيامة، نافيًا لصفة الساق التي أثبتها أبو سعيد الخدري، لا يوجد تعارض أصًلا، الأصل في الكلام الائتلاف وليس لاختلاف.
هذه قاعدة إذًا الأصل في الكلام هنا الائتلاف أي الجمع، فابن عباس لما يقول يوم يكشف عن ساقٍ، يقال كشفت الحرب عن ساقيها يعني اشتدت الحرب، أي كناية على أن هذا يوم القيامة يوم شديد، ابن عباس لما قال هذا تفسير ليوم القيامة ليس في الكلام أنه ينفي صفة الساق، صفة الذات، وأبو سعيد لما أثبتها أي صفة الساق بدايتًا، ليس فيه أنه ينفي كلام عبد الله بن عباس فالكلام مؤتلف وليس مختلف.
ابن عباس هنا لما قال: بأن يوم يكشف عن ساق أن هذا كناية عن شدة يوم القيامة، هناك قاعدة نحن ذكرناها قبل ذلك لابن القيم -رحمة الله عليه-، تفسير الآية ببعض معانيها، فسر ابن عباس الآية ببعض معانيها أي تشمل صفة الساق، صفة ذاتية وتشمل أيضا معنًا يوم القيامة شديد، هناك قاعدة آخري ذكرناها عندما تكلمنا في مسألة العلوم كل صفة كل آية فيها علو لله -عز وجل- فيأتي الأشاعرة مثلًا فيقولوا ولكن بعض أهل العلم ك فلان وفلان قالوا العلو هنا علو قدر وعلو قهر، ولم يتكلموا في علو الذات.
اقرأ أيضا: كيفية تحصيل العلم؟
هل ابن كثير كان أشعريا؟
من فسر الصفة ببعض معانيها مع إثبات أصل الصفة ليس ببدعة، وتفسير آية الصفة بمعنى مع نفي أصلها هذه البدعة، مثلًا يأتي واحد من الأشاعرة دكتور أشعري كان كاتب كتاب اسمه “ابن كثير الأشعري”، ابن كثير تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم لماذا صار أشعري؟
قال آية قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ فقال هنا ابن كثير يد الله فوق أيديهم، أي معية التوفيق والإعانة و النصرة والتأييد، ولم يذكر صفة اليد صفة ذاتية، هنا ابن كثير عندما قال عن هذه الآية يد الله فوق أيديهم فسرها بماذا بمعية، المعية الخاصة معية توفيق والتأييد والنصرة، تفسير الآية هنا مع عدم نفي أصل صفة اليد وإنما هذا من باب تنوع التفسير، لكن لما قال هذا بالتأييد والتوفيق لا يستلزم أنه بين في صفة الذات أصلًا، لكن مع إثباته صفة الذات وهي اليد، لكن في هذه الآية يفسر معنى آخر، وهو تفسير آية الصفة بمعنى مع إثبات أصل الصفة هذا من باب ازدياد التفسير، وهذا على أصول السنة لكن تفسير آية الصفة وتحريفها لمعنى مع نفي أصلها هذه البدعة.
مثلًا سبح اسم ربك الأعلى إذا هذا علو القدر، إذا قلنا علو القدر “وهو القاهر فوق عباده” علو القهر، مع عدم نفيك لعلو الذات، يكون هذا من باب تعدد التفاسير، لكن تقول علو القدر والقهر مع نفيك لصفة علو الذات هذه البدعة، هذا هو كلام الجاهل.
اقرأ أيضا: عدم الجلوس مع أهل البدع
إذا أردت معرفة هل هذا الرجل من أهل السنة أم أهل البدعة في كتاب التفسير خاصة، لابد أن تنظر إلى كلامه جميعًا في آيات الصفات، من أول التفسير إلى آخره إذا وجدته من أول التفسير إلى آخره على منوال واحد وهو تأويل تحريف الصفات تعرف أنه مبتدع، إذا رأيته يثبت الصفة لله -سبحانه وتعالى- مثلًا ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ فيثبت هنا صفة اليد، لكن يأتي في آية أخرى، مثلًا ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ فيقول لك هذا للتأييد والنصرة والتوفيق والعناية، إذًا هذا من باب تعدد نفيه.
القاعدة هنا تفسير آية الصفة ببعض معانيها مع إثبات أصل الصفة هذا من باب تعدد التفاسير، مثلًا قد أتكلم في آية واحدة وأذكر فيها عدة تفاسير، فأقول هذه الآية تتضمن صفة الذات صفة اليد، وهذه الآية أيضا تتضمن العناية والتوفيق وإلى آخره، إذًا هنا حينما تأثرت هذه الآية بهذا المعنى وهذا المعنى إذًا هذا النبي تعجب ذكر التفاسير، هي قاعدة تفسير التضمن لا يستلزم منه نفي تفسير المطابقة.
يعني تفسير تضمن، تفسير الآية ببعض المعاني مثلًا أنت ستخطب الجمعة ستفسر آية مثلًا قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ فأنت ستقول مثلًا فمنهم ظالم لنفسه وهذا آكل الربا، الجمعة التي تليها ذكرت الآية وهذا تارك الصلاة، يأتي أحد ليقول لك هذا الرجل ليس ثابت على شيء، الجمعة الماضية قال لك الآية في الربا، هذه الجمعة قال لك الآية في تارك الصلاة، الجمعة التي تليهم، قال لي الآية في شارب الخمر، ماذا هذا الرجل، بما تختص الآية، الجواب: الجميع.
لأن الآية تطابق كل هذه المعاني لكن لما ذكرت أنا الخمر مثلًا في منهم ظالم لنفسه مثلًا، هذا يسمى تفسير بالتضمن، وهو تفسير بعض معاني الآية لا يستلزم منه نفي مطابقة غيرها من المعاني.
إذًا القاعدة هنا الأولي: قلنا إيه تفسير آية الصفة ببعض معانيها مع إثبات أصل الصفة بالعكس من باب تعدد التفاسير وهو كلام أهل السنة، لكن تفسر آية الصفة بمعنى وتنفي أصلها هذا تفسير أهل البدعة.
القاعدة الثانية: تفسير التضمن لا يستلزم منه نفي المطابقة، عندما تفهم هذه حينما تقرأ كتب التفاسير المسندة، مثل تفسير الطبري أو غيره، لكن تفسير الطبري يكثر فيه مثل هذا، فتجده في الآية الواحدة يذكر فيها الإمام الطبري عدة معاني عن كثير من الصحابة والتابعين، إذًا أي هذه المعاني هو الصحيح؟
الجواب كله صحيح، لأنها المعاني لا تتضاد، وهنا تأتي القاعدة الثالثة.
تحمل على جميع معانيها إذا لم يكن هناك تضاد بينهم، يعني مثلًا الآن قلنا هناك منهم ظالم لنفسه، تشمل أية الربا تشمل الخمرة تشمل ترك الصلاة، كل هذه معالم هل تتضاد؟ بينهما تضاد, عكس في الكلام؟ لا, بل كلها تُفسر بمثل هذا المعنى خلاص كده لكن ممكن يأتي مثلًا آية بينها لفظ واحد، مشتركه بين معاني متعددة لكن تتضاد، مثل ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ القرء هنا لفظة اسمها لفظة مشتركة بين معنيين متضادين القرء إما الطهر والقرء إما الحيض، لا يصح أن تقول هنا القرء هو الطهر والحيض معًا؟
لا لا ينفع، إذًا يلزمك الترجيح إما تقول طهر وإما تقول حيض، لا يجوز تمشي الآية على جميع المعاني لأن المعاني هنا متضادة، إذًا لا بد لك أن تُرجح.
أقسم بالله الذي لا إله غيره هذه المسألة في أصول التفسير التي أخذتها في خمسة دقائق شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وضحوا أكثر التصانيف حول هذه المسألة لأنه يدخل منها إشكالات كثيره جدًا على طالب علم.
ما هو اللفظ المشترك في القرآن؟
إذًا نرجع للقاعدة: الألفاظ المشتركة ما معني اللفظ المشترك؟
لفظ واحد مشترك بين عدة معاني، يحمل على جميع معانيه إذا لم تكن المعاني متضادة، مثل ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾
حتي يطهرن: يعني ينقطع الدم، فإذا تطهرنا وهذا ليس وقت صلاة، إذا كان وقت صلاة بالإجماع وجب عليها أن تغتسل لتصلي، لكن إذا كان هذا ليس وقت صلاة انتهى مثلاً الحيض الساعة 3:00 صباحًا، العشاء إلى منتصف الليل، فمر وقت العشاء خلاص فهي غير مخاطبة بهذا الأمر، فإذا تطهرن فقط، ماذا لو غسلت الفرج فقط وجمعها، اسمها تطهرت بالإجماع، وإذا غسلت الفرج وتوضأت فقط، اسمها تطهرت بالإجماع، فإذا اغتسلت هذا أيضًا طهر بالإجماع، وهذا الذي رجحه ابن المنذر ومحمد بن حزم والشوكاني و الصنعاني والشيخ الألباني وغيره من أهل العلم، لماذا؟
لأن فإذا تطهرن لفظة مشتركة بين معالم متعددة لا تتضاد، لأن الوضوء اسمه طهر لا يقبل الله صلاة بغير وضوء والاغتسال اسمه طهر ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾، وغسل الفرج فقط يسمى طهر ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾، هناك رجال يحبون أي يتطهروا والله يحب المطهرين، هذه الآية فسرها أبو هريرة قال: نزلت هذه الآية قال ابن تيمية وإذا قال الصحابي هذه الآية نزلت في كذا، فهو تفسير مسند، نزلت هذه الآية في غسل الفرج لتطهير الفرج، فسمي الله تطهير الفرج طهارة، يكون فإذا تطهرن فأتوهن، تكون تطهرن هذه اغتسال أم وضوء أم غسل الفرج تشمل كل هذه المعاني، إذًا هذه لفظة مشتركة بين معاني متعددة لا تتضاد فتحمل على جميع المعاني، حتي يكون عندك توسع في أفق التفسير، نفسك لا تضيق هكذا.
الآية الثانية نحن قلنا والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، طيب قروء, القر هنا يشمل الطهر والحيض، هل تحمل على جميع معانيها؟ لا، إما طهر وإما حيض لا ينفع الاثنين لأن الاثنين متضادين الاثنين عكس بعض، الشافعي قال هذا طهر، الآية في الطهر، تعالى نفسر الآية هو قال لها انتِ طالق وكانت طاهرة، تكون أول حيضة تنزل لها تكون انتهت قرء، إذا قولنا أن القرء هو أول حيض يبقى انتهى أول حيض، إذا نزلت الحيضة الثانية انتهي القرء الثاني، الطهر الثاني أول ما دخلت في الحيضة الثالثة وثالثة يبقى انتهاء الطور الثالث، بمجرد نزول الحيض الثالثة إذا قلنا العدة بالطهر تكون انتهت العدة، إذا قال لها أعدتك إلي عصمتي لا يجوز انتهي الأمر، يريد أن يتجوزها فبعقد جديد ومهر جديد وموافقة ولي الأمر وإلي آخره.
القول بأن العدة بالحيض هو قال لها أنتِ طالق وكانت طاهرة، يكون أول ما نزل دم الحيض يبدأ القرء الأول، بانتهاء الحيض الأولى، وهكذا إلي نهاية الثلاث حيضات.
ما الفرق بين عدة المرأة في الطهر وعدة المرأة في الحيض؟ متى يحق للزوج هنا أن يقول لها رجعتك؟
إذا قولنا بالطهر يكون بمجرد أن تنزل الحيضة الثالثة، انتهى الموضوع كده قال لها في الليل أنا رجعتك يكون الموضوع انتهى لأن دم الحيض نزل، يقول الجمهور أنا أقول الشافعي هذه هي المشكلة أن تتجوز طالبة علم. إذا قلت بأن القرء هو دم الحيض يكون مع نهاية الحيض، إذا نزل دم الحيض اليوم وهي تحيض ستة أيام، في اليوم الخامس قام بإرجاعها، هذا يجوز، وهذا هو الصحيح لأن القرء في الآية هو الحيض لماذا؟
لأنك رجحت حتى ترجح شيء عن شيء لابد من قرينة خارجة لن ترجح في دماغ حضرتك، لازم ترجح بقرينة خارجة من دليل خارج والدليل آية وحديث، الحديث قال النبي -عليه الصلاة السلام- لمن؟ جميلة بنت عبد الله بن سلول قال لها اعتدي بحيضه.
اقرأ أيضا: ما موضوع علم مصطلح الحديث وما ثمرته
دليل على أن الأصل في العدة الآية ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ يكون الأصل في العدة الحيض، إذا يأست من الحيض، لم يعد ينزل دم الحيض، فانتقل إلى البدل ثلاث أشهر، واللائي لم يحضن لم ينزل عليها دم الحيض، ما الحيض وما البدل؟
الحيض الأصل والبدل ستة أشهر، عندنا في الزمن الذي نعيش فيه ربنا يخرجنا منه على خير جعلوا البدل أصل والأصل بدل، جعلوا عدة المرأة ثلاثة شهور هذا يحل الفروج المحرمة ما هو ممكن ثلاث شهور للمرأة ممكن تضع ثلاث حيضات في شهرين، في شهرين ونص، ممكن في أكثر من ثلاث أشهر، لذلك المسألة ليس لها ضبط وهذا هو الراجح، في قول الشيخ ابن تيمية بأن الحيض الصحيح أنه ليس في الشرع ما يقيد عدد أيامه وإنما المسألة ترجع باختلاف أحوال النساء وأعراف النساء، هناك حيض قد يصل إلي خمسة أشهر وارد إذا كان بعلامات دم الحيض.
اقرأ أيضا: عدة المرأة المطلقة الحامل والحائض والمتوفي عنها زوجها
علامات دم الحيض:
أولا: دم أسود يُعرف
ثانيًا متجمد لأنه تجمد في قعر الرحم.
ثالثًا رائحته كريهة جدا
هذه ثلاث صفات تعرف بها دم الحيض بخلاف هذا من دم الاستحاضة، ودم الاستحاضة دم نزيف كما قال -عليه الصلاة والسلام-
لفاطمة بنت حبيش، قال: دم الحيض إنما هو دم عرق، مثل عندما تُجرح تنزل منك الدماء نزيف، عرق فتح وقطع في رحم المرأة فنزل منه الدم، لذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يمنعها من الصلاة، فالعله في المسألة هنا بيان الأوصاف.
لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا بشروط – شروط المفتي
المسألة الثالثة: يقول ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم، لا بد حينما تريد أن تفتي في مسألة لازم يكون عندك أصلين:
قال فهم الواقع وفهم الواجب في الواقع، شيخ الإسلام ابن القيم -رحمة الله عليه– تكلم في هذا الباب كثيرًا، خلاصة المسألة
- فهم الواقع أي تصور المسألة قبل أن تنزل عليها الحكم.
- إذا تصورت المسألة فتنزل عليها ما عندك من أحكام الكتاب والسنة عليها.
مثال جاءتك أيما مسألة، عرف مثلًا ما حكم الشئ الفلاني ؟من أجل أن يفتي لا بد من فهم الواقع، تصور المسألة، ما هو الشئ الفلاني؟ والله هذا الشئ هو كذا وكذا، إذا أخذت من أحدهم 1000 جنيه على شرط أن يردهم لك 1100 أنا هكذا تصورت الحكم يكون هذا اسمه ربا تسميه فائدة تسميه رسوم إدارية فهذا اسمه ربا فسمي كما شئت.
فهم الواقع إنما تصور المسألة أولًا، مثلًا واحد يقول لك عرف المسألة الفلانية إن والله نحن نبيع بالتقسيط كذا وكذا، إذًا صور لي بيع التقسيط عندك كيف، ما هو تصوره عندك والله بيع التقسيط الذي أتكلم فيه، أنا أحتاج ثلاجة وليس لدي أموال فذهبت إلى جار لي قلت له ادفع لي أموال الثلاجة، من عند الراجل في المحل المجاور لك وأنا أدفع لك فيما بعد ب10,000 أنا سأقسط لك 12,000 أقول لحضرتك هذا ليس بيع تقسيط، هذا اسمه قرض ربا، الاسم في ذاته صحيح بالإجماع، بيع التقسيط بذاته صحيح بالإجماع كما ينقله ابن حجر، لكن له شروط ملكية السلعة.
أنا أذهب إلى المحل عندك، السلعة إما موجودة حقيقة أو حكمًا، ثانيًا أنا معي الأموال موجودة معي، فأنا هكذا أشتري، معي المقدمة والله الثلاجة بألف11 قسط تقريبًا، وبكذا كاش، كانت قديمة كذا وكل شهر كذا، عرفنا المبلغ كله، آتِ بسيارة واحملها اسمه بيع تقسيط، لكن الأولى ليست بيع تقسيط وإنما تقريب بالربا.
أنت فهمت أنك تبني الحكم الواجب على هذه المسألة متى؟ عند تصور المسألة، إذًا لا يجوز لك أن تحكم على شيء قبل أن تفهم الواقع فيه، ما هو فهم الواقع؟ فهم الواقع أن تعرف البلد الفلانية ما هي طبيعة الانتخابات فيها؟ وفهم الواقع انك لازم تكون فاهم ان البلاد التي حولنا ماذا حدث لهم؟ وفهم الواقع انك لازم تتابع الأخبار لأجل أن تفهم الواقع، تعرف ماذا تقول الأخبار دائمًا؟
لا بد أن تكون ملم بالواقع، لازم تكون فاهم، إذا بقيت في واقعك الخاص فإذا أقبلت على ربك وانت لا تعرف حكم الطهارة أصلًا، فإن الله ليس بسائلك إذا جهلت ما تسميه من واقع، ولكنه سائلك عما طلبته من الأحكام الشرعية وأن الله ليس بسائلك عن أخبار الدنيا، فالهدهد يقول لسليمان -عليه السلام- ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ سليمان لم يكن يعرف، لم يكن يفهم الواقع، إذًا ما تعريف فهم الواقع؟ إذا قولنا بهذا المصطلح ما تعريف الواقع؟ هو تصور المسألة التي تريد أن تبني عليها حكمًا شرعيًا هذا هو فعلًا واقع لكن أن تظل مشغولًا طوال اليوم بأخبار الدول والرؤساء والأحزاب وغيرها، كل من دخل في مثل هذه الأمور إنما هذا خذلان من الله.
لأن الأصل أنا الكسول إذا علم الله من هذا العبد الكسل أشغله، بالدنيا عن الدين وبغيره عن نفسه، يُعرض، يظل فلان كاذب وفلان ضلالي، يظل ينظر في عيوب الناس وهو مليء بالعيوب لا يصلحها.
إذًا فهم الواقع هو تصور المسألة التي تريد أن تبني عليها حكمًا شرعيًا، إذًا أيما مسألة تأتيك، الأصل أن تصورها لأن هناك مسائل محدثه بالآلاف لم تكن على زمن الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين، أيما مسألة جاءتك الأصل أن تتصورها، بمعنى أن يبين لك السائل ما معناها؟ ماذا تريد منها؟
لذلك القاعدة: الحكم على الشيء فرع عن صوره، يعني لا تحكم عن شيء حتى تتصوره أولًا، قال: ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم فهم الواقع وفهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسانه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر، تُنزل الحكم على تصور المسألة.
يعني مثلًا ينفع أقصر الصلاة في مكان غريب غير بلدي؟ تسأله هل هذه البلد سفر، يقول لك نعم سفر، إذًا تكون قد فهمت الواقع فتبني لحكم بأنه قد وجب القصر، القصر منوط بعلة السفر، كما قال شيخ الإسلام وكل ما سُمي عند قوم سفر فهو سفر، وقد يكون سفرًا ما لم يكن سفرًا في الأمم الماضية وفي العهود السابقة، فقد يكون عند التابعين ليس بسفر ولكن عندك سفر، حيث حددت البلاد وأنشئت طرق فصار الحكم عليها سفر، لذلك الحكم هنا مبني على علة السفر، لذلك أنت فهمت الحكم بعدما تصورت المسألة.
قد يسأل واحد ما حكم البورصة وما حكم الاشتراك فيها؟ ما هو تعريف البورصة، هي ليست شيئًا واحدًا وإنما هي علم الأشياء، لذا لا يجب أن يبني عليها حكم كلي، فكل واحدة منها بحكم مستقل فقد يكون منها بحكم حلال وقد يكون بحكم حرام، هل يجوز ركوب الدراجات البخارية؟ يقول لك الحسن البصري أرجع المسألة إلى الأصل، الأصل الإباحة.
التثبت في القرآن الكريم
رابعًا: والله سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسد، بل بالتثبيت والتبيين، لذلك الآية ( إن جاءكم فاسق بنبأ) لذلك عند علماء الحديث هنا هذا رجل فاسد، كيف يتبين منه؟ يتبين منه من روايات الثقات الحفاظ، فقد يكون فاسق لكن كلامه صحيح ولكن أنت لم تأخذ صحة كلام من ذاته وإنما سألت الرواة الأخرى، فوافق هذا الكلام.
يأتي واحد يقو لك حدث كذا وكذا وهذا الشخص لا يصلي، الأصل ألا يقبل خبره ولا يرد، يقول لك أحدهم أوقفه حتى يتبين لك من الخارج، هل هذا الكلام صحيح؟ فإذا صح الكلام تأتي به تبعًا يدخل تبعًا في الكلام، مثل الروايات الضعيفة قد تكون الرواية ضعيفة فيذكرها عالم الحديث، لكن لا يأخذ منها حكمًا مستقلًا، لأن هذا الكلام ثبت في الأحاديث الصحيحة، لكن ذكر هذا استئناسًا وليس استقلالًا.
اقرأ أيضا: الفرق بين الحديث المرفوع والموقوف والمقطوع
الفرق بين الحديث الصحيح والضعيف والحسن
قال فإن ظهرت الأدلة على صدقه قُبل خبره وإن ظهرت الأدلة على كذب رد خبره، وإن لم يتبين واحد من الأمرين فنأخذه خبره، وقد قَبل النبي -عليه الصلاة والسلام- خبر الدليل المشرك الذي استأجره ليدله على طريق المدينة في هجرته، لما ظهر له صدقه وأمانته، قد يكون الكافر صادقًا وأمينًا؟ الجواب: نعم، لكن لا تأخذها مجردة وإنما يتبين بالقرائن الأخرى ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
قال فعلى المسلم أن يتبع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قبول الحق ممن جاء به من ولي وعدو وحبيب وبغيض وبر وفاجر ويرد الباطل على من قاله كائنًا من كان، إذا قال لك أحدهم أن شخصًا ما كافرًا مشرك مبتدع وهذا الكلام قد قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا ترد عليه لأنه كافر مبتدع، لا الكلام يقبل ليس لذاته وإنما هو ثابت في الأصل في ديننا، فأنت هنا إنما حققت الكلام لأنه ثابت عندنا، لذلك الأصل أن يقبل الحق ممن جاء به.
ما هو الفرق بين الفاضل والمفضول؟
خامسًا: هذه مسالة أخرى (ولا يجرمنكم شنان “شنقان هو شده البغض” الا تعدلوا اعدله هو اقرب للتقوى) الشنآن هو شدة البغض، فلا يستلزم أنك تبغضه وشديد لبغض له إذا قال حقًا أن ترده، إنما هذا كبر، والكبر بطر الحق أي رد الحق ودفعة، والإمام أحمد يوجب توليه الأصلح فالأصلح من الموجودين وكل زمان بحسبه، وسئل الإمام أحمد عن رجلين يريدان أحدهما أن يتولى إمامه البلد أحدهما أنكى، أي شديد العداء في العدو مع شربة للخمر، هذا رجل شديد مع العدو في الهيبة، ولكنه يشرب الخمر والأخر أدين، متدين يحافظ على الصلاة والأذكار والقرآن والصيام الى آخره فمن نقدم؟
اقرأ أيضا: المحاضرة الخامسة: أصول مذهب الإمام أحمد بن حنبل(أصول الإستدلال)
شارب الخمر القوي مع الأعداء أم التقي الذي يعبد الله، فمن نقدم لخلاف البلد إذا كانت مستهدفة، يقول الإمام أحمد، يجزم مع الأنكى مع العدو لأنه أنفع للمسلمين، يقول لإمام ابن القيم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يولي الأنفع للمسلمين، على من هو أفضل منه كما ولي خالد ابن الوليد على حروب لنكايته على العدو وشدته وقدمة على بعض السابقين من المهاجرين والأنصار، والمقصود أن هدي النبي –عليه الصلاة والسلام- تولية الأنفع للمسلمين وإن كان غيره أفضل منه، تسمي هذه المسألة بتقديم صاحب المنفعة المتعدي، إذا تعارضت المنفعة المتعدية مع القاصرة لأمر متعدي تقدم المنفعة المتعدي، فمثلًا صاحب المنفعة يريد سائق قوي وأمين، فجاء له واحد نصراني، وسائق قوي، وتقدم واحد أخر طالب علم، يحفظ القرآن، يصوم، يقوم الليل، أنت لن تزوجه ابنتك، تقدم صاحب المنفعة لأن الأخر صلاته لنفسه، صيامه لنفسه، قيامه لنفسه، قد آتي بالتقي إذا أردت تحفيظ أولادي، ولكن لا يجوز توليه على مصلحة متعدية، الأصل أن يقدم صاحب المنفعة المتعدية لأنه:
- خبير بالأصل.
- عنده معرفة بالمصلحة.
فهنا نقدم صاحب المنفعة المتعدية، لذلك النبي –عليه الصلاة والسلام- لما دخل خيبر قال لليهود نقركم على ما أنتم، ولنا شطر ما يخرج منها، إذًا هنا دائمًا إذا تعارض عندك منفعة قاصرة، ومنفعة متعدية وأنت تريد منفعة متعدية تقدم صاحب المنفعة المتعدية، فهنا في هذه القاعدة، إذا تعارضت المنفعة القاصرة مع المنفعة المتعدية فالأصل أن يقدم صاحب المنفعة المتعدية وهذا حتي في أمور الديانة، فإذا كان عندك خطبة جمعة وكان أمامك اثنين أحدهما صاحب علم بالأحكام وغيرها ولكنه ليس فصيح في الخطابة، أما الثاني ليس عنده علم مثل الأول لكنه لا يتكلم إلا بما يعلم، ولكن إذا صعد المنبر يخطب فالكل يستمع إليه، يجعلهم ينتبهوا له ويوصل المعلومة إليهم وعنده طريقة في الكلام، علم الأصوات وغيره، فاختلاف الصوت قد يؤدي إلي قرينه تغير المعني تمامًا، الكلام بدون تفسير أو تفصيل قد يدخل الناس في إشكال، فالثاني سيجعل الناس تستفيد من الخطبة، فمن تقدم؟
مع أن الثاني الذي يخطب خطبه جيده ليس هو بأعلم من الأول، لكن الأول لا يستطيع أن يقوم على المنبر، حتي الشيخ الألباني سئل لماذا لا يصعد على المنبر؟
قال لهم إذا صعدت على المنبر كل من في المسجد سينامون، والشيخ الألباني كلامه كلام علم لكنه هادئ، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا صعد المنبر عليّ واشتد غضبه كأن منذر جد، إذًا تقدم صاحب المنفعة المتعدية، حتي الشيخ ابن عثيمين كان يفعل ذلك مع الطلبة، يقول هذا أفضل من ذاك وإن كان ذاك أفضل منه في العلم، إذًا يولي الأصلح وإن كان هو المفضول وقد يترك الفاضل، ويولي المفضول عنه، ابن تيمية يقول التفضيل بالتفصيل، ليس هناك أحد اسمه أفضل مطلقًا، التفصيل هو الأفضل، إذا أردت أن تفضل بين أحد فلابد أن تفصل بينهم ولا تقل هذا أفضل من هذا مطلقًا، لذلك النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يولي خالد ابن الوليد على أبي بكر، وعلى عمر وعثمان وعلي، من الأفضل؟
أبو بكر أفضل الصحابة، لكن لما كان خالد ابن الوليد له فضل مقيد في هذا الباب كان يقدمه، نأخذ منها أن النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يولي الأنفع والأصلح دائمًا، وليس هناك شيء اسمه تفضيل مطلق دائمًا، لأنه ق يكون مفضول لكن عنده مسألة هو فيها أعلم من الفاضل، التفضل المطلق لا يستلزم منه التفضيل المقيد، فقد يكون عالم كبير لكن طالب علم صغير يكون أعلم منه في هذه المسألة، لا يستلزم أن يكون عالمًا بكل مسألة، فقد يخرج عن الفاضل مسائل وإذا خفي عنه مسائل فدونه أولي، ويكفيك أن عمر كان لا يعلم بعض الأحاديث حتي يعلمه أخرون وكثير من الصحابة في هذه المسألة، لا يستلزم أن يكون أفضل منه في كل المسائل، التفضيل المطلق لا يستلزم منه التفضيل المقيد، والعكس أيضًا التفضيل المقيد لا يستلزم منه التفضيل المطلق، لا يستلزم أنك تعلم هذه المسألة عن العالم الكبير أن تكون أفضل منه، هذه القاعدة تمنع عنك الغرور، لكن تعطي كل ذي حق حقه.
إذًا نخرج من هذه القاعدة بأن النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يولي الأنفع والأصلح لصاحب المنفعة المتعدية.