“يدخلُ مِن أمَّتي الجنَّةَ سبعونَ ألفًا بغيرِ حسابٍ همُ الَّذينَ لاَ يسترقونَ ولاَ يكتَوونَ، ولا يَتطيَّرونَ وعلى ربِّهم يتوَكَّلونَ”.
كلمة “ولا يرقون” يقول ابن القيم -رحمه الله عليه- فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول “وهذه الزيادة وَهِم من الراوي لم يَقل النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يرقون، لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رقِي ورُقي من جبريل، ورَقَته عائشة.
ومن النصوص الموجودة “أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رَقِي عثمان ابن العاص عندما كان يشتكي من النسيان، فوضع النبي -عليه الصلاة والسلام- يده على صدره وقال بسم الله اخرج يا شيطان من جسد عثمان” إذ كيف سيقول النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يرقون وهو قد رَقَي.
كما أن النبي -عليه الصلاة والسلام-رَقَى الحسن والحسين في صحيح مسلم “قال أرقيكم بما كان يرقي إبراهيم ابنيه، بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك إلى آخره”.
إذا كل هذه النصوص تؤكد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يرِقي، جبريل رَقِي، عائشة رَقَت، من الصحابة من كان يرقي، وهذه هي أصول الأحاديث إذا لفظة يرقون تخالف هذا الكلام، الضعف إلى هذه الرواية أولى.
الفرد أولى بالوَهِم أم الجماعة؟ الفرد، لذلك قال هذه اللفظة وَهِم.
ما معنى لا يرقون ولا يسترقون؟ (60)
السين والتاء دائمًا للطلب، فهو يطلب الرقية هنا، أما يرقون فهذا الذي يفعل، يسترقون هذا الذي يطلب، أما يرقون فهذا الذي يفعل، إذا هذا الفارق بين الراقي والمسترقي.
يقول ابن تيمية -رحمه الله- لم يقل النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يرقون لأن الراقي مُحسن إلى أخيه والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: “من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه”، قال وقد “قال النبي -عليه الصلاة والسلام- عندما سُئل عن الرقى، لا بأس بالرقى ما لم يكن شركًا” والفرق بين الراقي والمسترقي أن المسترقي سائل، مُسقط مُلتفت لغير الله بقلبه، أما الراقي مُحسن نافع وهو أعلى درجة من المسترقي.
ومن هنا في الحديث الذين لا يسترقون، هذا الباب باب فاضل ومفضول، ليس باب حرام وحلال، لا يستلزم من أنه لا يسترقون أنك إذا طلبت الرقية من زوجتك، أخيك، ابنك، أن يكون حرامًا، لا هذا باب فاضل ومفضول ليس باب حلالًا وحرامًا، لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في هذه المسألة الذين يدخلون الجنة بغير حساب، إذا هذه الدرجة أعلى في أمر التوكل.
- الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، الكي هنا هو كي النار كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام.
- شفاء أمتي في شربة عسل أو شرطة مِحجل أو كي بنار، وأنهى أمتي عن الكي.
السؤال هنا الذين لا يرقون أو الذين لا يسترقون؟ كلمة لا يسترقون يعني لا يطلبون الرقية، لما؟ لتمام توكلهم على الله، فتمام توكلهم وعندهم التوكل المطلق الكامل، فيمنعهم أن يطلبوا من غيرهم الرقية.
ما معنى التوكل على الله؟
يقول ابن القيم -رحمه الله- لا يستلزم أنك إذا اعتمدت على أحد أن تثق فيه، وليس بالضرورة إن كنت تثق في أحد أن تعتمد عليه، هذا اسمه واحد يثق والآخر يعتمد ولا يثق فيه، تمام التوكل أن تعتمد، وتثق تمام الثقة وتمام الاعتماد في واحد، هذا كله كلام ابن القيم، كذلك أي مشكلة، أي هم، أي غم، أي بلاء، أي شيء تمامًا أنت ليس عليك إلا القيام بالأوامر، قم بالأوامر الشرعية وابتعد عن المعاصي ونم مرتاح البال، لأن عندك ثقة واعتماد في الله، والثقة والاعتماد هما ركني التوكل، أول ما يرى منك ربك هذين الشيئين أن تقوم بالأوامر الشرعية ثم يرى منك الثقة والاعتماد عليه، ويجمعهم حسن الظن في الله، فإذا رأى منك هذين الشيئين يكفيك كل شيء، لكن إن اختل وأحد من كلا الاثنين لا يُسمى توكلًا.
قد يقول لك أحدهم ثقتي في الله واعتمادي عليه ولكن أين قيامه بالأوامر الشرعية؟ لا يصلي جيدًا، بل لا يصلي أصلًا، ولا يطلب العلم، ولا يذكر الله، ولا يقرأ قرآن وإلى آخره، ويطلب من رب العالمين الثقة والاعتماد الذي يسمى الضمان، يطلب من الله الضمان والكفاية والعناية وهو لم يقم بهذه الأمور، والذي نقع جميعًا فيها، دائمًا ما نقول يا الله نريد كذا، أنت دعيت ولكن هل قمت بالأوامر الشرعية التي بها يكفيك؟
اقرأ ايضا: كيف كان طلب العلم قديما
لذلك تجد في الآية ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ قم بالعبودية، يكفيك أن ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ قم بالعبودية يدافع عنك، قم بالأيمان يدافع عنك، لكننا نريده أن يدافع عنا ولا نقوم بالأيمان، نريده أن يكفينا ولا نقوم بعبودية، إذا أمور التوكل هنا الثقة مع الاعتماد ولكن مع القيام بالأوامر الشرعية.
أنا تكلمت في هذا الأمر سابقًا صلى أحدهم العشاء وذهب إلى سريره، لم يقدر على أن يصلي السنة، وقبل أن ينام قال كيف أطلب من الله أن يكفيني كذا وكذا وأنا لم أقم بالأوامر الشرعية؟
فقام فصلى سنة العشاء، وغيرها على الذكر، قراءة القرآن وقيام الليل، ومن هنا بدأ يفهم لكي تأخذ الضمان لا بد أن تقوم بالأعمال، كلا الأمرين الثقة والاعتماد وهذا يسمى بالتوكل، لذلك مع الأخذ بالأسباب والالتزام بالأوامر الشرعية إذا قمت ثم كان لك ثقة وكان لك اعتماد هذا اسمه تمام التوكل على الله -سبحانه وتعالى- .
لذلك هذا لما كان عندهم تمام التوكل على الله كانوا من هؤلاء السبعون ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، لذلك من هنا يَذكر ابن تيمية خلاف بعض أهل العلم في مسألة الدواء، هل الدواء واجب أم هو مُستحب؟ تركه مطلقًا لا يجوز ولكن هل هو واجب أم مستحب؟
متى يكون التداوي مستحب ومتي يكون واجبا؟
ذِكر الخلاف في المسألة بَيَن ابن تيمية -رحمه الله عليه- بأن الدواء قد يكون واجبًا، قد يكون مستحبًا، بحسب توكل قلب العبد، من الناس من لا يكون توكله مثل غيره، فهذا واجب عليه أن يأخذ الدواء حتى لا يقع في سوء الظن بالله، الثاني قد لا يأخذ ذلك وإنما بالدعاء، والدعاء من أعظم الأسباب. قد يأخذ بها، بالدعاء فقط يدعو الله -عز وجل-، أعرف رجلا كان يأخذ الدواء إلى أن يأس، فترك الدواء وصلى ركعتي قيام الليل، وظل يدعو إلى أن قام الفجر، وقام بعمل التحاليل في نفس اليوم فقال له الطبيب لم يكن فيك شيء، الله -سبحانه وتعالى- له القدرة المطلقة، وهذا ما يعنيه التوكل الثقة مع الأخذ بالأسباب.