سبب الكسل عن طلب العلم !
طلب العلم بين الماضي والحاضر؟
لاشك أن مجالس العلم في هذه الأزمنة أشق بكثير من مجالس العلم في الأزمنة الماضية لكثرة الموانع وطلب العلم اليوم ليس كطلب العلم في القدم.
قال سفيان الثوري رحمه الله: وطلب الحديث عندي في هذا الزمان أشد من الجهاد.
فين كان هذا؟ في زمانه, فكيف بزماننا نحن ؟ لما؟ لكثرة الصوارف والموانع التي تعوق طالب العلم وطلب العلم نفسه ولكن عندنا قاعدة أنه “لا يجوز لأحد الاحتجاج بأيما مانع للتملص من العبادة” فلا يحتج بتركها لوجود أيما مانع كغلاء المعيشة مثلا أو أنه مشغول, لا يوجد وقت فترك الطاعة إحتجاجًا بوجود الفتن فصاحبها واقع في الفتنة فصاحبها مفتون.
في غزوه تبوك لما إحتج أناس أنهم يمكثون في المدينة ولا يريدون الجهاد بحجة أنهم يخشىوا على أنفسهم من بنات بني الأصفر(فنخشى أن نُفتن بسبب جمال البنات اللي هناك وحلاوتهم …) فقال الله تعالى لهم مبينًا أنهم تركوا الطاعة ألا وهو الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم إحتجاجًا بهذا الأمر “وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ”
القاعدة “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ”
شرح حديث خيركم من تعلم القرآن وعلمه
مفتاح دار السعاده: قال ابن القيم رحمه الله ثبت في صحيح البخاري من حديث عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “خيركم من تعلم القران وعلمه” وتعلم القرآن وتعليمه يتناول تعلم حروفه وتعلم معانيه وهو أشرف قسمي علمه فإن المعنى هو المقصود واللفظ هو الوسيلة.
هذا الحديث وقع فيه ظلم كثير من الناس والذي أوقعهم قراء القرآن.
“خيركم من تعلم القران وعلمه” كثير من الناس تسمعه وتحمله على تحفيظ القرآن فقط فليس مقصورًا على ذلك; فالخوارج هم أحفظ الناس للقرآن وشهد لهم النبي بذلك ومع ذلك إختلف أهل العلم في كفرهم لأنهم حفظوا حروفه ولم يفهموا حدوده (يقول لك الآية كذا الصفحة كذا فتُفتن أنت بذلك وتُعجب به) فهذا ليس مقصورًا على حفظ حروفه بل معانيه, بل معناه هو المقصود والحروف وسيلة لذلك.
لذلك تفهم من هذا المعنى كلمة عبد البر وأجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مجلس العلم أفضل من قراءة القرآن(وهذا الكلام عند التعارض. مثلا لا أستطيع أن أطلب علم ولا أحفظ القرآن فالجمع بين الخيرين أفضل لكن إذا تعارض فلا شك أن يُقدم التعلم)
علماء الاصول: العالم المجتهد لا يُشترط فيه حفظ القران ولكن يُشترط فيه معرفة إستنباط وحفظ آيات الأحكام ومعانيها والراجح والمرجوح فيها والترجيح منها.
تعليق ابن القيم على قوله تعالى ان الذين يتلون كتاب الله
ابن القيم رحمه الله قال تعالى ” إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ”
وفي قوله “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ”
حينما نسمع هذه الآية, تربينا أيضا على أن معنى هذه الأيات (يتلون كتاب الله) (ويتلونه حق تلاوته) أن يقرؤون ولكن هذا ليس هو المعنى فقط وإنما التلاوة أصلها المتابعة.
“وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا ١ وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا” (أي تبعها)
” يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ” (أي يتبعون أحكامه حق إتباعه)
وهذه الايه بمفهوم الملازمة فيها وجوب طلب العلم لأنه لا يتم إتباع أحكام ما فيه إلا بتعلمه
“اقيموا الصلاة” هذا يستلزم تعلم أحكام الصلاة
“وآتوا الزكاة” هذا يستلزم تعلم أحكام الزكاة
مثل أبيك يقول لك أريدك أن تكون دكتور! هل بتروح له وتقول أنا خلاص بقيت دكتور؟ ولا بتروح تأجر شقة وتفتح عيادة !! لازم تجتهد وتتعلم حتى تصل وتتخرج من كلية الطب.
“أيما أمر في الكتاب فهو أمر بتعلمه”
وهذا يبين وجوب طلب العلم وأنه ليس اختيار بل هو فرض عين عليك وتُسأل عنه يوم القيامة ويُعذب العبد على تاركه لأنه أمر فرض عين عليك وطلب العلم خاصةً في هذه الأزمنة نجاة لك, فالتلاوة ليست مقصورة على الحروف وإنما الحروف وسيلة والمقصد معرفة معانيه وإتباع أحكامه
ترى كثير من قراء القرءان يحفظ القرآن غضًا طريًا وتجد يقرأه في المعازي والقبور واللي يدفع أكتر يقعد أكتر.هل هذا فاهم معنى القران؟ ما فهم معناه !!
مراتب العلم لابن القيم رحمه الله
قال ابن القيم رحمه الله وهذه هي مراتب العلم
المرتبة الأولي: سماعه(سماع الإدراك)
المرتبة الثانية: عقله (عقل الكلام) فإذا سمعه ووعاه بقلبه واستقر في قلبه كما يستقر الشيء الذي يُوعى في الوعاء ولا يخرج منه. وكذلك عقله هو بمنزلة عقل البعير والدابة ونحوها حتى لا تشرد وتذهب.
المرتبه الثالثة: تعامده وحفظه حتى لا ينساه ويذهب
المرتبة الرابعة: تبليغه وبثه في الأمة لتحصل به ثمرته ومقصوده
انت جالس الان تسمعني بقول حديث للنبي صلى الله عليه وسلم فأنت تقول عليه الصلاه والسلام فهذا يُسمى سمع إدراك.
عقل الكلام: أي ربطه
العقل: هو الربط (فلان عقل دابته = أي ربطه دابه) فسماع العلم أولاً وعقله ثانيا حتى لا ينفك منك وينفلت. لذلك يسمى العاقل عاقلًا لأنه ينهى نفسه عما تشينه وأما المجنون يفعل ما يشاء وقتما يشاء
الجنون لغه: فعل ما يشاء وقتما يشاء كيفما شاء
فعقل العلم أي ربطه (يبقى انت فهمت ايه معنى التلاوة وأيه معنى خيركم من تعلم القرآن وعلمه وثبت عندك, فكده انت ربطته حتى لا ينفك منك)
ما هي ثمره العلم؟ ثمرة العلم: العمل به والدعوة إليه. لذلك كل من دعا إلى الله وعمل بالعلم لا يستطيع أن ينساه لأنه يتعلم ويعقله ببثه للناس.
كيفية تحصيل العلم؟
الأول: حسن السؤال
قال ابن القيم رحمه الله ومن الناس من يُحرم لعدم حسن سؤاله كمن يسأل عن فضوله والتي لا يضُر جهله بها ويدع ما لا غنى له عن معرفته وهذا حال كثير من الجهال.
الأصل أن تسأل عما ينفعك, من هنا تفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم “وأعوذ بك من علمٍ لا ينفع” فحينما تسأل فكر فيما تسأل والأصل في السؤال أن تسأل عن الواجبات وترك المحرمات ولا تسأل عن شيء أنت لست فيه الآن.
لذلك الإمام احمد حينما كان خارج من المسجد وسأله رجل عن المواريث فقال له الإمام احمد يا بني إنك حدث (لسه بتبدأ في طلب العلم) فسأل عما ينفعك الآن; ما الطهارة, ما الصلاة, ما الزكاة, ما الصيام.كمثل رجل يسأل أين نزل آدم على الارض؟ علمٌ لا ينفع, فما الذي يضر الجهل به سواء كان نزل في افريقيا أو آسيا ! وما هو العلم الذي ستنتفع به؟ أو يسأل عن شيء مما كان. ما اسم المرأة التي روضت يُوسف عن نفسه؟ زليخة؟ هل يضُرك الجهل به؟ وهل إذا علمت هل ستنتفع؟
تجد رجل على اليوتيوب يرفع فيديو نصف ساعة يتكلم فيه عن أسماء أصحاب الكهف; الأول إسمه عمر والثاني اسمه عبد التواب, هذا علم لا ينفع ولو كان نافعًا لذكر الله أسماؤهم في القرآن وإنما ذكر المقصود من القصة لتعتبر أنت بها وتنتفع بها.
قال ابن القيم رحمه الله ومن الناس من يحرموا (العلم) لسوء إنصاته فيكون الكلام والممارات اثر وأحب إليه من الإنصات (إنك تقعد تسمع لتُماري) وهذه آفة كاملة في أكثر النفوس الطالبة للعلم وهي تمنعهم علمًا كثيرًا ولو كان حَسن الفهم.
سئل الإمام احمد رحمه الله كيف يكون العلم؟ قال أن يكون إنصاتك أكثر من كلامك.
كان الإمام احمد رحمه الله عليه في ترجمته إذا دخل مجلس العلم لا يُسمع منه كلمة (مجلس وكيع ابن الجراح أو سفيان ابن عيينة) وإنما يُنصت ويدون فقط.
الفضيل: إنما الشيخ كحالب الضر وإنما الطالب كشارب لبن الضر فكلما عطلت حالب الضر كلما أضررت نفسك
قال ابن القيم رحمه الله وذكر عبد الله بن احمد في كتاب العلل كان عروة بن الزبير يحب ممارات عبد الله بن عباس فكان ابن عباس يخزن (يحبس) علمه عنه وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة يُلطف له في السؤال فيعزه بالعلم عزا وقال ابن جريج ولم أستخرج العلم الذي إستخرجته من عطاء ابن رباح الا برفقي به.
الثانية حسن الإنصات والإستماع
لأن هناك فرق بين سماع الشيء وإستماعه
سماع الشيء: مثلا انت راكب عربية والسواق مشغل الاغاني فهتسمع الاغنية, فمتى تأثم؟ لما تستمع وتُنصت; لذلك قال “وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”
الثالثة حسن الفهم
وحسن الفهم يأتي من العلم ومعرفة الأصول وأصول الفقه (عام أو خاص, ناسخ أم منسوخ)
الرابعة حفظ العلم
الخامسة التعليم
ويعنى به أمران: الثبات على العلم وممارسة العلم نفسه
السادسة وهي ثمرة العلم والعمل به ومراعاة حدوده
وهو أن تعلم أن النظر إلى النساء حرام وتعلمت ذلك ثم تأتي وتنظر بعد ذلك وترتكب هذا الحد فتعلُمك صار حجة عليك.