تقريب علم ابن القيم المحاضرة الأولي فهم تحصيل العلم

المحاضرة الأولي: فهم تحصيل العلم لابن القيم رحمه الله

قاعدة نفي الأصل لإنتفاء الثمرة

الانسان إنما يُميز على غيره من الحيوانات بفضيلة العلم والبيان وإلا فغيره من الدواب والسباع أكثر أكلاً منه وأقوى بطشًا وأكثر جماعًا وأولادًا وأطول أعمارًا وإنما ميزه عن الدواب والحيوانات بعلمه وبيانه فإذا عظُم العلم بقي معه القدر المشترك بينه وبين سائر الدواب بل قد يبقى شرًا منه كما قال تعالى في هذا الصنف من الناس

“إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون” فهؤلاء هم الجهال. “إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً”

كالانعام لأنه يأكل مثلهم ويشرب مثلهم ويجامع مثلهم ويلد مثلهم بل هم أضل سبيلا؟ لأن الحيوان يوم القيامة سيكون ترابًا وهو سيلج النار فكان الحيوان أفضل منه وإنما أنت شُرفت بالعلم والبيان والدعوة والإخلاص وطلب الدار الآخرة فكل من أعرض عن طلب العلم وعن العلم والعمل والبيان وعن الدعوة عمومًا فإنما مثله مثل الدواب

إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون

الدواب: كلمة عامة لكل من يدُب على الارض وإنما خُص العرف منها ما كان من الحيوانات

الصم: الذين لا يسمعون

البكم: الذين لا يتكلمون

إزاي صم وبكم, فلا يسمعون ولا يتكلمون فازاي هم شر؟

ليس الصمم هنا سماع الإدراك, فهو يسمع ولكنه لا يستجيب لأن الثمرة من سماع الإدراك أن تستجيب وتعمل فلما لم يأت بثماره سماع الإدراك وهي الاستجابة نفى الله عنه السماع “فلا يُنفي الشيء لعدم وجوده ولكن يُنفي مع وجوده لنفي ثمرته

لما تيجي تقول لابنك هات كذا او اعمل كذا ولا يستجيب لك فتقول ما بيسمعش الكلام !! فكلمة لا يسمع الكلام هل معنى ذلك أنك تنفي عنه سماع الإدراك؟ لا, فلماذا قال له ذلك؟ لأنه لا يستجيب.

“قال نوح رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق” لذلك قال الله عز وجل “قيل يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح”

إنه ليس من أهلك, ما بعدها يفسر المعنى (إنه عمل غير صالح) لان ثمرة البنوة أن يتبع أباه في التوحيد ويترك الشرك فلما إنتفت الثمرة من إتباع نوح فقال إنه ليس من أهلك.

“إرجع فصلي فإنك لم تصلي”

مع أن الصحابي صلى ولما إنتهى سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي إرجع فصلي فإنك لم تُصلي; مع أنه صلى ورجع صلى ثاني ثم قال السلام عليك يا رسول الله فرد عليه النبي وقال إرجع فصلي فإنك لم تُصلي والثالثة كذلك ثم قال له والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها فعلمني فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه.

 الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إرجع فصلي فإنك لم تصلي (لأن ثمرة الصلاة أن تكون صحيحة مقبولة) فلما كانت غير صحيحة باطلة نفى أصلها لنفي ثمرتها.

إنت دلوقتي سامعني وعرفت أهمية طلب العلم هل هتروح تذاكر وتطلب العلم وتحفظ القرآن ولا هتروح تاكل وتشرب وتنام ولا كأنك سمعت أي حاجه؟

فانت سمعت سمع إدراك لكن ما استجبتش فانت هنا اسمك أصم (قد يُنفي أصل الشيء لنفي ثمرته لا لنفي أصله)

البكم: مع أنهم يتكلمون ولهم ألسنة ولكن لا يتكلمون بالحق

الذين لا يعقلون: هم بيعقلوا وليسوا بمجانين ولو كانوا مجانين لرُفع عنهم التكليف

عقل إدراك الذي هو فيه التكليف فسمع وفهم وعلم ولكنه لم يستجيب ولم يعمل ولم يُطبق فنفى عنه الأصل لأنه لم يأتي بالثمرة ولم ينفي الأصل لعدم وجوده وإنما نفى الأصل لإنتفاء الثمرة

“وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ”

لا يعلمون: طيب لا يعلمون إزاي وهما لسة سامعين دلوقتي وعارفين الحق كويس جدا؟ فما استجابوا لما علموا, فنفى عنهم أصل العلم ليس لأنهم ما علموا ولكن ثمرة العلم بأن تعمل فلما لم يعمل قال لا يعلمون.

التكفيريين: قالوا بأن كلمة (لا يعلمون) هذا دليل على أن الإنسان لا يُعذر بالجهل في أول الآية المشركين وآخر الآية لا يعلمون وهذا دليل على أن العبد لا يُعذر بالجهل.

أمن هو قانتٌ آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون (أخر الآية ليست كذلك وإنما يعلمون والذين لا يعلمون)

مع أنه قام الليل وقام بسجود (فهذه أعمال) ولكن قال الذين لا يعلمون فثمرة العمل أصلها العلم فلما تعلم وعرف فضل العلم قام الليل. 

فهم معني كلمة السمع

قال ابن القيم رحمه الله والسمع يُراد به إدراك الصوت ويُراد به فهم المعنى

لذلك قال الله ولو سمعوا لتولوا وهم معرضون (أي لو فهموا بردوا هيُعرضوا)

ويرادُ به القبول والإجابة (سمعت وفهمت؟ اعمل بقى, فالمطلوب في أيما سماع; القبول والاجابه)

“وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ”

دخلوا جهنم لأنهم ما يسمعون سمع إدراك ولا يعقلون عقل إدراك؟ لا وإنما سمعوا وفهموا ولكن ما استجابوا فنفى عنهم الأصل لنفي وجود الثمرة ألا وهو سمع الاستجابة وعقل الاستجابة لا لنفي أصل السمع والعقل لأنه ليس بمجنون.

“قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ”

قال ابن القيم رحمه الله وهذا أصرح ما يكون في إثبات السمع لله (صفة السمع)

والنوع الثاني: سمع الفهم كما في قوله تعالى ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم(أي لأفهمهم) ولو أسمعهم (أي لو أفهمهم) لتولوا وهم معرضون.

 قال ابن القيم لما في قلوبهم من الكبر والإعراض عن قبول الحق ففيهم أفتان إحداهما أنهم لا يفهمون الحق لجهلهم ولو فهموه لتولوا عنه وهم معرضون عنه بكبرهم وهذا غاية النقص والعيب.

النوع الثالث: سمع القبول والإجابة

“لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا(إلا ضعفًا, إلا كسلًا إلا خوارًا) وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ”

سماعون لهم: أي مُستجيبون لهم ومنه قوله تعالى سماعون للكذب أكالون للسحت (مستجيبون لهذا الكلام الكذب)

“سمع الله لمن حمده”

طيب ما ربنا بيسمع ؟ قال ده تحصيل حاصل لماذا يقول سمع؟ هنا السمع سمع الاستجابة أي اللهم استجب وهذا في مقام التوسل والدعاء. لذلك قال ابن القيم رحمه الله أي أجاب الله الحمد لمن حمده ودعاء من دعاه وقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمعُ الله لكم.

يسمع الله لكم= يستجيبُ لكم

مراتب الهداية

هداية كونية خلقية

 “ٱلَّذِىٓ أَعْطَىٰ كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ” خلقك وهداك كيف ترضع من ثدي أمك. الأم لا تقول لإبنها حينما يرضع إشفط ولا تنفخ وإنما هذه هداية كونية.

 وهذه يسميها ابن تيمية رحمه الله في كتاب دار تعارض العقل والنقل: دلالة العناية أي عناية الرب بالعبد كما قال تعالى “وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا” (انظر كيف يعلمهم الله) 

إزاي تبني بيت سداسي لكي تضع فيه النحل فهذه هداية خلقية

(يقول لك ده علم) لذلك هؤلاء الناس الذين يظهرون على القنوات ويقولون كيف تتعامل المرأة مع الرجل في الفراش وكيف يُجامع الرجل امرأته وكيف تفعل المراة كذا مع زوجها؟ فهذه قلة أدب وسفالة.

السؤال هنا قبل ما يأتي هذا العلم كيف كان يُجامع جدك جدتك؟ ومن الذي علمه؟ كيف هُدي أدم عليه السلام مع حواء؟ وهذه الهداية دلالة على وجود خالق للمخلوق وعنايته به, فإنه ما خلقه وتركه.

هداية بيان ودلال وإرشاد

انت دلوقتي بتكلم واحد في مسألةٍ ما وهو سمع وفهم فهذه هي هداية البيان; إنك تبين وتوضح له المسألة وهذه هي التي أثبتها الله للنبي صلى الله عليه وسلم “وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم”

هداية التوفيق

وهذه لا يملكها أحد إلا الله, لذلك من هنا تفهم قوله تعالى “إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء” فالمُثبت بخلاف المنفي, فالمنفي عن النبي صلى الله عليه وسلم هداية التوفيق والمثبت هو هداية البيان وهداية التوفيق لا يملكها أحد, فهذه من فعل الله مع العباد.

من هنا تفهم “والنبيَّ ومعهُ الرَّجُلُ والرَّجُلانِ، والنبيَّ ليسَ معهُ أحَدٌ” معاه واحد بس وهذا نبي أوتي من العلم والوحي ما أوتي ومع ذلك لم يؤمن معه إلا واحد

من هنا تفهم قوله تعالي “وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍۢ قُبُلًا مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ”

الهداية إلى الجنة (وهذه هي ثمرة هداية التوفيق)

لذلك أهل الجنة قالوا “الحمد لله الذي هدانا لهذا”

“وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ” فهداهم للجنة لثمرة هداهم للاستجابة

الفرق بين الحُزن والْحَزَنَ ؟

يقول ابن القيم رحمه الله: الْحَزَنَ مصدر والحُزِن أثر

انت حزنت لوجود مرض فالمرض هو الْحَزَنَ. انت حزنت لوجود فقر فالفقر هو الْحَزَنَ فأنت حزنت لوجود بلاء فالبلاء هو الْحَزَنَ.

أهل الجنة لم ينفي الله عنهم الحُزِن الذي هو الأثر وإنما نفى عنهم المصدر الذي هو الْحَزَنَ فالمصدر نفسه مش موجود اصلاً. لذلك حينما تقرأ أذكار الصباح والمساء تقول “اللهم إني أعوذ بك من الهم والْحَزَنَ ” أي ربي التجأ إليك وأسألك أن تصرف عني مصدر الحُزن.

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *