طرق تحمل الحديث وأداؤه

ما هي طرق تحمل الحديث وأداؤه _ علم مصطلح الحديث

تكلمنا في علم الحديث في تعريف الحديث الصحيح وتناولناه بشيء من التفصيل في مفسدات الإسناد، وقلنا بأن تعريف الحديث صحيح هو ما اتصل سنده بنقل عدل ضابط من غير شذوذ ولا علة، وتكلمنا في نواقض الإسناد إلى آخره، وسنرجع إليها مرة أخري إن شاء الله، هناك عدة قواعد أيضًا في مصطلح الحديث، اليوم نتكلم في قاعدة واحدة ألا وهي بأن الحديث تَحمل وأداء; فما هي طرق تَحمُل الحديث؟ تحمُل يعني الآن مثلًا تتحمل عني علم، سمعت مني علم، أو أنا سمعت منك علم، هذا اسمه أنا تحملت عنك علم، ثم بعد ذلك ذهبت إلى المسجد الخاص بي وتكلمت به، أي أديت ما تحملته أنا، العلم كله عبارة عن كلمتين: تحمل وأداء.

ما هي طرق تحمل رواية الحديث؟

 هناك عدة طرق يتحمل بها الراوي حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- كي يصل إلينا وهي: 

  1. السماع المباشر. 
  2. القراءة.
  3. الكتابة.
  4. المناولة. 
  5. الإعلام. 
  6. الوصية.
  7. الإجازة.
  8. الوجادة.

هذه اسمها طرق تحمل العلم الثمانية، لا يتحمل أحد حديث أو علم إلا من هذه الطرق.

أولًا: التحمل الأول هو السماع المباشر

 السماع فيه تفصيل، السماع إما أن يكون سماعًا مباشرًا من الشيخ وإما أن يكون سماعًا بواسطة، الحديث الذي وصل لك في طريق منه اسمه السماع المباشر، ماذا يعني السماع المباشر؟ أن يجلس الصحابي يسمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو التلميذ يسمع من الشيخ، أبو هريرة مثلًا يقول حدثني خليلي رسول الله، أو سمعت رسول الله، حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا اسمه سماع مباشر. 

كأن أجلس في حلقة الشيخ كذا فأقول حدثنا شيخنا كذا، أي أنني جالس وهو يحدث بأحاديثه هو كل هذه طرق تحمل حديث الشيخ، أي الشيخ عنده أحاديث وأنا جالس أسمع منه وأكتب، إذًا لي الحق أن أقول حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا، أنا سمعته إذًا هذا اسمه تحمل السماع المباشر وهذا أعلى طرق السماع.

هناك تحمل سماع ولكن بواسطة ليس سماعًا مباشرًا، ما معنى الواسطة؟ كتب الإمام السمعاني كتاب اسمه المُستملي، كان عبارة عن أن مثلًا كان الشيخ يُحَدث; لم يكن هناك ميكروفونات أو هذه الأشياء، وكانت الحلقة فيها آلاف من الطلبة يسمعون حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- لكي يدونوه، فهو لن يستطيع أن يُسمع الجميع، فيكون في منتصف الحلقة مثلًا شخص اسمه المُستملي، عمل هذا المستملي أنه كان يسمع الإمام مالك مثلًا يقول حدثنا نافع فالمستملي يقول بصوت مرتفع حدثنا نافع، لكي يُسمع الناس.

أنت ممن سمعت من مالك أم من المُستملي؟ من المُستملي، هل لك أن تقول حدثنا مالك؟ نعم، فجعل هنا الواسطة كالمباشر فهنا المستملي يقول حدثنا نافع هو مُبلغ، حتى أنه يقول حدثنا نافع وليس حدثنا مالك لأنه مجرد ناقل، هذا هو عمله حتى أن هناك بعض الأشخاص كانوا يتقاضون المال على ذلك، وقد يكون هناك أكثر من مستملي على حسب سعة المجلس، فأنت كطالب تكتب خلفة حرف حاء هكذا “ح” اختصار لكلمة حدثنا، وستجدها في صحيح البخاري وصحيح مسلم، إذًا المستملي عبارة عن مبلغ، فيقوم هنا السماع من المستملي كالسماع من أصل الشيخ المباشر.

السؤال هنا هو سئل فيه الشيخ مقبل، هناك شخص يسمع الشيخ ابن عثيمين في محاضرة، يسمع منه كتاب فقه أو كتاب في الحديث، هل له أن يقول شيخي الشيخ ابن عثيمين في كتاب الفقه كذا، أو سمعته منه في محاضرات على الكمبيوتر على الأشرطة، هل يقول شيخي فيها كذا؟ الجواب نعم، المستملي نفسه يقول حدثنا نافع، فما بالك أنت سمعت الشيخ نفسه ولكن بواسطة.

لذلك يقول شيخ الإسلام: “وكل من تعلم من أحد فائدة فهو شيخه فيها”

 والسماع كما تناولنا قسمين:

  • سماع مباشر.
  • سماع بواسطة.

يقول هنا حدثنا، أنبأنا، أخبرنا، سمعنا، سمعته.

ثانيًا: التحمل الثاني هو القراءة

 ما معنى القراءة؟ هي أن يجلس الطالب يقرأ من أسانيد الشيخ نفسه، يعني هو مثلًا له أسانيد، مثلًا أنا لي أسانيد إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فأقول حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر، هذه اسمها أسانيدي أنا أي أحاديثي أنا، فيقرأ الطالب الجزء خاصتي والذي يحتوي مثلًا على مئة حديث، يقرأ بصوت عالي عليّ أنا صاحب الأحاديث وعلى الطلاب، هذا اسمه طريق القراءة. 

هل لك أن تقول هنا بأن حدثنا أو أنبأنا وأخبرنا الشيخ فلان أم لا؟ الجواب نعم، الإمام النسائي أبو عبد الرحمن النسائي صاحب كتاب سنن النسائي، كان يجلس في مجلس شيخه اسمه الحارث بن مسكين، كان مصري فالحارث ابن مسكين كان في بينه وبين الإمام النسائي شيء، فنهاه أن يجلس في مجلسه، فكان الإمام النسائي يختبئ خلف عمود كي لا يراه ابن مسكين، الإمام النسائي الذي قيل فيه صحة كتاب النسائي كصحة البخاري ومسلم، وكان من أشد الناس في باب الجرح والتعديل، الإمام النسائي من أفضل الكتب بعد البخاري ومسلم من حيث الإسناد، ومن حيث الفقه سنن أبي داود.

فكان الإمام النسائي يجلس في مكان حيث لا يراه فيه الحارث بن مسكين لكي لا يُخرجه من المجلس، قديمًا كان الشيخ يطرد الطالب فيختبئ لكي يطلب العلم، ويقول الإمام النسائي حدثنا الحارث بن مسكين وهو يُقرأ عليه وأنا جالس أسمع، لأنه لو قال مثلًا الحارث بن مسكين يقرأ عليه، فمن المفترض أن الحارث أخرجه من المجلس، فقال وأنا جالس أسمع حتى يضيع مسألة التدليس هذه.

السؤال هنا هل أذن الحارث ابن مسكين للنسائي أن يحدث بحديثه؟ لا، لم يأذن له، إذًا تأخذ من هنا فائدة بأن العلم ليس حكرًا على أحد، مثلًا ليس معك أموال لشراء الكتاب الفلاني، هل تقوم بتنزيله من النت مع أن صاحبه قال أن حقوق الطبع محفوظه؟ نعم، لأن العلم ليس حكرًا وإنما العلم مشاع، وبذلك كان يفتي الشيخ ابن باز -رحمه الله-.

ثالثًا: التحمل الثالث الكتابة

 أن أكتب أحاديث فيها إسناد إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كتبت مثلًا عدة أحاديث وبعثت بها إلى صديقي، هل لصديقي أن يقول حدثنا فلان؟ الجواب نعم له أن يقول ذلك، لذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يأمر بكتابة أمور وأشياء إلى بلدان كما في حديث أبي شهاب في كتاب العلم في صحيح الإمام البخاري، إذُا هذا نوع أيضًا من طرق تحمل العلم.

رابعًا: التحمل الرابع المناولة

 أنا لي جزء في أحاديث، وهناك مئة حديث مثلًا، فقلت لشخص خذ هذا الكتاب وحدث به عني، أي ناولته كتاب فيه أحاديثي أنا، هل له أن يُحدث بكل حديث فيه ويقول حدثنا فلان؟ نعم، عند الجمهور خلافًا لابن حزم، وابن حزم أخطأ في هذه المسألة، والصحيح في هذه أن يُحدث بما فيها إذ أنا الذي أذنت له بذلك، وهذا فيه نوع من الإجازة، لكن اسمها إجازة خاصة من شخص معين لشخص معين.

خامسًا: التحمل الخامس الإعلام

 أنا أُعلمكم بأن أحاديث هذا يرويها فلان مثلًا، هذا يُسمى طريق من طرق تحمل الحديث.

سادسًا: التحمل السادس الوصية

 قبل أن يموت كما فعل يحيى بن سعيد القطان ومعمر بن راشد وغيرهم، قبل أن يموتوا أوصوا بالأحاديث التي عندهم لأحد أن يُحدث بها، وهذه اسمها أحاديث بالوصية، يقول حدثنا فلان، أوصانا فلان بكذا وكذا، قال حدثنا فلان، إذًا هل تُعتبر طريق من طرق الحديث أم تضعف الإسناد من أجلها؟ طريق من طرق العلم.

سابعًا: التحمل السابع الإجازة

 والإجازة قسمين:

  • إجازة عامة.
  • إجازة خاصة.

سمعنا طبعًا فلان أجاز وآخر معه إجازة، يقول لك أنا معي إجازة في صحيح البخاري أعطاها لي الشيخ الفلاني، كلمة إجازة معنى أن يُجيز هذه الأحاديث لا بد أن تكون أحاديثي ولي إسناد فيها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

لا بد أن أعرف كلمة إجازة، فيقول أحد هناك اليوم مثلًا دورة في شرح أصول السنة، والذي سيحضر سأعطيه إجازة، لماذا لم تقل سأشرح أصول السنة وفقط، هل أنت شخصيًا معك إجازة للإمام أحمد؟ لا بد أن يكون معه سند إلى الصحابي نفسه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، إما إجازة خاصة أو إجازة عامة، أجزته لهذا المجلس بعد ما حدثنا بأحاديث أجزت لهم أن يروا هذه الأحاديث، أو أجزت لك يا فلان أن تُحدث عني بهذه الأحاديث، لكن أجزت شرطها أنا أكون أنا معي إسناد فأنا أجزتك فيه.

ثامنًا: التحمل الثامن الوجادة

 من اسمها من وجد شيئًا، الوجادة أن يجد التلميذ بخط الشيخ صحيح ثابت الأمر إليه فيُحدث به عنه، يعني هو لم يسمع منه ولم يقرأ عليه، ولم يناوله ولم يُعارضه ولا أي شيء، وإنما مات الشيخ ولكن عنده كتاب فيه أحاديث، هل هذا الكتاب فيه صحة النسبة إليه؟ نعم، أنا سأحدث بهذا الكتاب عنه في صحيح الإسناد بذلك.

يقول الشيخ الألباني -رحمة الله عليه- كلمة جميلة “وليس علوم الناس اليوم إلا وجادة” وشيخ الإسلام ابن تيمية صحة النسبة لكتابه إليه مجموع الفتاوى، إذًا هذا طريق من طرق تحمل العلم، إذًا شيخ الإسلام مثلًا إذا قرأت له بابًا في الأسماء والصفات هو شيخك فيه، الكتاب الفلاني ثابت لابن القيم -رحمة الله عليه- إذًا هنا أن قرأت فهو شيخك فيها.

 لكي تفهم هذه المسألة لو كان عندك مسند الإمام أحمد ستجد كثير من هذه المسائل، عبد الله يقول وجدت بخط أبي، قال حدثنا فلان والإسناد صحيح، ستجد كثيرًا للإمام مسلم -رحمة الله عليه- في صحيح مسلم، يقول بخط فلان كذا وكذا، إذًا هل يصح الإسناد بذلك أم يُضعف الإسناد به؟ الجواب يصح الإسناد إذا ثبت أنه خطه، أو أنه كتابه.

اقرأ أيضا: ما حكم الحديث المعلق في صحيح البخاري؟

قاعدة “إذا اختلفت الوجادة مع الحافظ يُقدم كلام الحافظ”

 يعني مثلًا شخص يُحدث إسناد وجدت بخط فلان، وساق الإسناد مثلًا الحديث وليكن “عن الرجلين الذين يعذبان في القبر وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله أو لا يستبرئ من بوله”، أو في حديث آخر “قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة أو أتتوضأ من بئر بضاعة”، إذا حذفت النقاط ستجد أن الكلمة واحدة كان من الممكن أن يكون الكلام بدون تنقيط، لو تعارض هذا الإسناد مع إسناد شخص حافظ سمع نفسه من الشيخ، يُقدم كلام الحافظ. 

لذلك هنا تأتي القاعدة “من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه”

 هذه القاعدة إنما يذكرها علماء الحديث في كتب التصحيف والتحريف، بابها إذا كان علم يؤخذ من كتاب غير منقط أو باب القرآن أن تأخذه قراءة خطأ أيضًا، لأنك لو أخذت القرآن حفظته على قراءة خطئك أكثر من صوابك، إذًا يستلزم من سماع الشيخ أو كتاب غير منقط ليس به تنقيط، كيف ستفهم ذلك، فكلمة فيل مثل قيل مثل قبل مثل قتل، كيف ستفهم؟ الذي يفصل هنا الحافظ، الذي سمع بنفسه، أما إذا قرأت أنت بلوغ المرام مثلًا تقرأها من الكتاب أم لا؟ خطئك أكثر من صوابك؟ لا بل صوابك أكثر.

لا تردد كل كلام تسمعه وإنما عليك تحقيق من أين آتى الكلام من الأصل، فمثلًا حمزة الزيات أحد القراء وهو صغير كما يذكر الإمام الذهبي، لماذا سموه زيات؟ لأنه عندما قرأ القرآن، أخذه قراءة بدون أن يسمع، فقال ألم ذلك الكتاب لا زيت فيه قرأ كلمة “ريب”، ” زيت”، الخطأ هنا أنه أخذه بغير سماع، فعندما سمع على شيخه قال زيت، فقال له شيخ أنت زيات وسماه حمزة الزيات وكبر على هذه الكلمة، لذا كان عدم التنقيط خطأه أكثر من صوابه.

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *