تقريب علم ابن القيم المحاضرة الثانية صوارف العمل

الصوارف التي تصرف العبد عن العمل بما علم

ما هي الصوارف التي تصرف العبد عن العمل بما علم؟

 ليس الشأن الآن في أنك تمضي إلى العلم والدعوة وإنما الشأن كل الشأن أن تثبُت على ذلك إلى أن تلقى الله. فهناك أشياء تصرف الإنسان وهي مانعة له من الطريق إلى الله, فقد يصل العبد إلى أن يطلب العلم وإلى أن يدعو إلى الله- عز وجل- مدة ثم بعد ذلك تحدُث الصوارف التي هي الفتن

قال تعالى “الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ”

الفتنة: هي الإختبار والإمتحان

فكل فتنه هي إختبار وإمتحان, فقد تصرف العبد وقد تكون في حق العبد منحة يؤجرعليها أمام رب العالمين.

أولاً: وهذه الصوارف عامة سواء كانت صوارف عن الإسلام بالأصالة (قد يكون كافرًا ويعرف الإسلام حق المعرفة وأن الإسلام هو الحق وأنه هو دين رب العالمين ولكن هذه الصوارف قد تصده عن الدخول في الدين)

ثانيًا: وقد يكون مسلمًا ولكنه من أهل البدع أو الفساق أو الفجرة ولكن يعرف أن هذا طريق الله-عز وجل- وأن هذا هو الحق ولكن تحدُث له صوارف تصده عن التوبة والرجوع الى الله.

ثالثا: عبدٌ يعرف قيمة العلم وفضل العلم وما حكم العلم وما حكم طلبه ولكن هذه الصوارف أيضًا تصده عن طلب العلم.

بيان فضل العلم

يقول ابن القيم- رحمه الله- العلم بكون الشيء سببًا لمصلحة العبد ولذاته وسروره قد يتخلف عنه عمله بمقتضاه لأسباب

تعلم أن العلم فيه مصلحة لك وفيه سرور لك ولكن قد تمنعك موانع علي أن تسير فيه, قد يكون هذا في حقه أو في باطله.الإنسان يعلم أنه لو إقترض من هذا البنك قرض ربوي وهو يعلم أنه سيأكل به كذا ويعمل به كذا وسيخرج به إلي كذا ولكن هناك مانعُا يمنعه ألا وهو أني أخاف الله رب العالمين.

القاعده “أن الشيء لا يتم إلا بإثبات شروط وإنتفاء موانع” (قد تكلمنا في الشروط بالمحاضره الماضيه)

يقول- رحمه الله- فالسبب الأول: ضعف معرفته بذلك

لماذا اكثر الناس لا يسلكون طلب العلم؟ ألا وهو الجهل بفضل هذا العلم; لذلك كلما كان الانسان أعرف بشيء وله فيه مصلحة كلما كان هذا أحب شيء إليه فلا يُقبل العبد على طلب العلم ولا يثبُت عليه إلا إذا عرف فضله وكلما كثر جهله بالعلم وبطلب العلم كلما كثر بعده عنه.

لذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- ” لَأنْ يهديَ اللهُ بكَ رجُلًا واحدًا خيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ”

حمر النعم: عند العرب كانت أفضل شيئ عندهم من الدواب (حاجة زي العربية الفيراري)

فالسبب الأول ضعف المعرفه وضده والذي هو الصارف فضل المعرفه وأفضل كتاب صُنف في هذا الباب هو كتاب بيان العلم وفضله لابن عبد البر

السبب الثاني: وقد تكون معرفته به تامة لكن يكون مشروطًا بزكاة المحل وقبوله بالتذكية فإذا كان المحل غير ذكي ولا قابل للتذكية كان كالأرض الصلبة

قرأ الكتاب وعرف بيان العلم وفضله والدعوة إلى الله لكن قد يكون مشروطًا بذكاة المحل

الذكاة: الطهارة; لأنها تُطهر العبد من ذنوبه (فلانٌ ذكي)

 “ذلك أذكى لكم” أي أطهرُ لكم

والمحل هو القلب, فالقلب ليس بذكي, ليس بطاهر. ذلك قال تعالى “أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ “

فَعَلمَ بيان العلم وفضله لكن القلب نفسه لا يقبل ما تلقيه فيه.

قاعدة لا يستلزم من التصديق الإيمان

يقول ابن القيم -رحمه الله- وهو الذي منع عبد الله بن أبي من الإيمان وبه تخلف الإيمان عن أبي جهل وسائر المشركين فإنهم لم يكونوا يرتابون في صدقه وأن الحق معه ولكن حملهم الكبر والحسد على الكفر به.

القاعدة “لا يستلزم من التصديق الإيمان”

فرعون مُصدق وإبليس مُصدق وعارف بأن الله واحد أحد ويعلم أن محمد رسول الله فالتصديق لا يستلزم منه الإيمان كما يقول الجهمية.

الإيمان عند أهل السنة: إعتقاد بالجنان(القلب) وقول باللسان وعمل باللسان والجوارح والأركان.

الله قال عن اليهود “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ”

يبقى مصدقين ! فلا يستلزم من التصديق الإيمان.

حب الرئاسة والملك

السبب الرابع: مانع الرئاسة والملك وإن لم يكن بصاحبه حسد ولا كبرعن الانقياد بالحق.

فهناك مانع قد يمنع الانسان من دخول الاسلام بالاصالة أو أن يكون مسلمًا ولكن من الفجرة أو الفسقة فيمنعه هذا أيضًا من الهداية والتوبة إلى الله وقد يكون ليس عبدًا من الفجرة والفسقة ولكن يُمنعون أيضا من دخول طلب العلم والمُضي فيه والذي هو مانع الرئاسة والملك.

تجد هذا المانع منع هرقل من دخول الإسلام لذلك قال هرقل لأبي سفيان “أيتبعه الفقراء أم الأغنياء قال بل يتبعونه الفقراء قال وهكذا أتباع الأنبياء”

قال رحمه الله لكن لا يمكنه ان يجتمع له الانقياد وملكه ورئاسته فيضن بملكه(يُفضل ملكه ورئاسته) كحال هرقل وأضرابه من ملوك الكفار.هرقل يعلم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم-هو أخر النبيين وآخر المرسلين.

في صحيح البخاري حينما جاءه الرسول وأعلمه بذلك وهرقل كان يعرف هذا وجمع الناس في دسكرة وأمر بغلق الأبواب فكلمهم وقال لهم أما أنه خير لكم أن تتبعوا ذاك النبي, قال: فهاجوا عليه هيجه الحمر (هاجوا عليه البطاركة والقساوسة هيجة الحمر) قال هرقل أما إني كنت أختبر شدتكم على أمر أمر دينكم (إنتوا صدقتوا ولا ايه, أنا باختبركم بس) فأعطى رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشياء من الهدايا ثم قال وأخبر مني رسول الله السلام فحينما ذهب الى النبي -صلى الله عليه وسلم-حكى له كل ما حدث, قال عليه الصلاه والسلام كذب عدو الله ما آمن ثم قال وكان هذا آخرعهدنا بهرقل.

هل هرقل مات على الاسلام أو الكفر؟

وقع خلاف بين أهل العلم والشاهد أن الذي صده ومنعه هو ملكه.

قال -رحمه الله- وهو داء فرعون وقومه ولهذا قالوا انؤمن لبشرين مثلنا وقومهم لنا عابدون

أن يؤمنوا ويتبع موسى وهارون وينقاد لهما وبنوا إسرائيل عبيد لهم

حب الرئاسة – هرقل

مانع الشهوة والمال من الهداية والإيمان

السبب الخامس: مانع الشهوه والمال وهو الذي منع كثيرا من أهل الكتاب من الإيمان خوفًا من بطلان مأكلهم وأموالهم التي تصير إليهم من أقوامهم وقد كان كفار قريش يصدون الرجل لا عن الإيمان بحسب شهوته, فكانوا يقولون لمن يحب الزنا إن محمدًا يُحرم الزنا.

هذا هو مدخل إبليس يدخل عليك من الشيء الذي تحبه أنت, لا يدخل عليك من الباب الذي تكرهه ,دخل على آدم من طريق حب الحياة ” هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ”

انت هتروح يوم الحد او الاثنين الدورة, ساعة أو ساعتين وانت راجل معاك تاكسي وممكن زبون حلو توديه المطار ب 300 أو 400 جنيه, هتاخد 300 أو400 من الدورة؟ لا طبعًا وانت أصلا بتحب الفلوس, فالشيطان دخل لك من هذا الباب وقلبك ضعيف فيميل إليه من حيث دخل له.

هو بيحب أصحابه والقعدة الحلوة لكن في مجلس علم, فيجي الشيطان يقول له انت هتسيب القعدة الحلوة ديه وهتروح لوجع القلب ده؟ فدخل عليه من هذا الباب فإبليس لا يدخل على العبد ليمنعه من أيما طاعة.

واحد يريد أن يهتدي ويتوب إلى الله فانت لو تُبت هتبعد عن حبيبتك ومش هتعرف تمشي معاها ولا تكلمها فيدخل عليه من هذا الباب فيمتنع عن الهداية والتوبة من هذا الباب الذي يحبه ويعشقه.

لذلك يقول ابن القيم -رحمه الله- ولا يتم الثبات على الطريق إلى الله إلا بقطع العلائق (أي بكل ما يتعلق به القلب)

ابن القيم مع القسيس في مصر

ذكر ابن القيم في زاد المعاد بأنه أتى إلى مصر وناقش بعض القساوسة فقال حتى إذا قمنا من المجلس وأقر بهذا, فقال له ابن القيم فإذا علمت وأقررت فما الذي يمنعك أن تلج في الإسلام؟ قال أرأيت هؤلاء الحمير (يقصد النصارى الذين يتبعونه) فإنهم يأتون إلى من الأموال ويبذلون إلى ما شئت, هل تصنعون معي ما يصنعون إذا دخلت دينكم؟

قال ابن القيم لا تظن في الله السوء بأن الله تاركك فما قام مني إلا أن أشاح إلى فالذي منعه الرئاسة وشهوه المال

انظر الى الفرق بين هذا والذي نزل عليه آية الخمر“يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان”

كان أنس حينما نزلت هذه الآية كان يصُب لهم الخمر, وطلحة يجلس مع الناس (طلحة كان متزوجًا من أم أنس بن مالك) فدخل الداخل علي, قال أشهد بالله أنه نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- “إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان”

فَقالَ لي أَبُو طَلْحَةَ, أنس اخرج الى الجرار (جرار, مش إزازتين, ثلاثة !! الجرة عامله زي الزير) فسفكها قال أنس فلما نزلت الآية صار الخمر في سكك المدينة أنهارًا (مع إن الموضوع صعب عليهم جدًا, متربيين عليها كأنهم بيشربوا شاي وقهوة)

فنزلت الآية على قلوب طاهرة, محلها ذكي.

لذلك واحد تلاقيه بيشرب سجاير يقول لك أنا بشرب سجاير بقالي 20 سنة مش عارف أبطلها!!

فيقولك بطلها واحدة واحدة, بدل علبتين, خليهم علبة ونص, علبة وبعد كده نص علبة وبعد كده بطلها خالص. هو ما تركها لله أصلاً وإنما إن تركها لله فالأصل الإقلاع والمنع بداية

المانع السادس وهو محبه الأهل والاقارب والعشيره

إنهم إذا اتبعوا الحق وخالفهم أبعدوه وطردوه وأخرجوه من بين أظهرهم وهذا سبب بقاء خلق كثير على الكفر من بين قومهم وأهلهم وعشائرهم.

ممكن فلان يكون تبع جماعة الدعوه والتبليغ وأبوه تبليغي وامه تبلغية والعيلة كلها تبلغية وهو الوحيد الذي فهم وعرف بأن هذه بدعة, هنا الداعي الذي سيمنع هو داعي محبه الأقارب وأنه لا يستطع أن يستمر على هذا الأمرلأنهم ينكرون عليه دومًا.

فمن الناس من يقول لك مش قادرأستمر, ده العيله كل شويه عمالة تقولي انت بتمشي مع الجماعة اللي بيقولوا لك الإيمان يزيد وينقص والكلام ده كله ومجالس العلم والدورات والحاجات دي كلها فيبدأون بالغضب عليه مع قوة الداعي وضعفه للإيمان فقد يستجيب لهم, أبويا زعلان مني وامي زعلانة مني وهذه من موانع طلب العلم, فكلما كان الإيمان باليوم الآخر أقوى عندك كلما يسهُل عليك ترك أي داعيًا يدعوك إلى الشر.


مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *