– جَاءَتْ فَاطِمَةُ بنْتُ أبِي حُبَيْشٍ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فلا أطْهُرُ أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، إنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ، وليسَ بحَيْضٍ، فَإِذَا أقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي – قالَ: وقالَ أبِي: – ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حتَّى يَجِيءَ ذلكَ الوَقْتُ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 228 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (228)، ومسلم (333)
هذا الحديث يدل على أنه ما من شيء قليل أو كثير إلا وسأل عنه الصحابة.
ما هو الفرق بين الاستحاضة والحيض؟
الاستحاضة بخلاف الحيضة والأصل في دماء المرأة ليس الحيض، فإذا نزل دم لا يستلزم أن يكون حيضًا وإنما يستلزم أن تنظر في العلامات قال عليه الصلاة والسلام: “دم الحيض أسود يُعرف ورائحته كريهة جدًا، يخرج من قعر الرحم فلا يتجمد”
ويقول ابن القيم: اللون عند العرب ليس كتشققات الألوان عندنا فاللون الواحد يشمل جميع درجات اللون فلا يقولون أخضر فاتح وغامق وهكذا، وكذلك كلمة الأسود تشمل الأسود أو البني الغامق وهكذا.
“لا يتجمد” أي لا يتجلط كدم العروق.
عرف الإمام أحمد كما أخرجة أبو يعلى في زي الحنابلة قال تعلم الإمام أحمد دماء المرأة في تسع سنين، قيل ومن تعلمها فهو الفقيه حقًا لأنه يُبنى عليها أشياء كثيرة.
هنا فاطمة بنت أبي حُبيش ظنت بأن الذي نزل عليها هو دم الحيض لذلك قالت أفأدع الصلاة حيث ظنت أن كل ما ينزل يأخذ حكم دم الحيض، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بين أنه دم يخرج من عرق في الرحم قُطع أو انفتح فخرج منه دم الاستحاضة والتي يسميها الأطباء النزيف، وهنا مسألة أصولية وهذا فيه دليل على أن العبد إذا قاس شيء على شيء لا يستلزم أن يأخذ حكمة لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنكر القياس هنا، لأنها قاست الدم الذي ينزل على الحيض فكما أنها تدع الصلاة في زمن الحيض فهل تدع الصلاة في زمن الاستحاضة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أوقفها على كل مسألة بذاتها، إذًا هنا لا يصح القياس إلا بدليل واضح لأن كل شيء يستقل بحكمة.
حديث عمار بن ياسر في التيمم
وذلك مثل حديث عمار بن ياسر في الصحيحين، خرج عمار بن ياسر في أمر ما للنبي -عليه الصلاة والسلام- وكان معه عمر بن الخطاب فأصابته جنابة قال عمار: فتمعكت في الصعيد كما تتمعك الدابة، أي تقلب في التراب كما تتقلب الدابة، ظنًا منه بأن الغُسل كما أنه يجب على العبد تعميم الجسد بالماء كذلك التيمم تعميم الجسد بالتراب وهو هنا قاس هذه بتلك، وحينما رجع إلى النبي قال له عليه الصلاة والسلام إنما كان يكفيك أن تفعل بيدك هكذا وضرب النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأرض ضربة واحدة ثم نفخ فيهما ثم مسح النبي كفيه ثم وجهه، إذًا هنا احتُج بالقياس والنبي -عليه الصلاة والسلام- أوقفه بالدليل بأن كل شيء له حكم.
“قالت فلا أطهر” أي الدم ينزل دائمًا، “أفأدع الصلاة له” قال النبي -عليه الصلاة والسلام- جوابًا فصلًا لا، ثم بين الحكمة للمنع، والحكمة في التشريع لها أصل وتفصيل، أما الأصل فهو أصل عام ما من حكم إلا ولله فيه حكمة لأنه اسمه الحكيم، وتفصيل الحكمة قد يبينها لك الشرع فتعلمها وقد يخفيها عنك امتحانًا وابتلاء.
هل يجوز السؤال عن الحكمة من الحكم؟
السؤال عن الحكمة من الحكم لزيادة الإيمان والطمأنينة لا بأس بها كقول ابراهيم عليه السلام ﴿وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾، وتعطيل الحكم لمعرفة الحكمة يكون بدعة بل وقد يصل إلى الكفر، فالأصل الاستجابة للحكم سواء علمت الحكمة أم لم تعلمها فالأصل هنا ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾، ومعرفة الحكمة هنا قسمان قد تُبين وقد لا تُبين فتنه واختبارًا وامتحانًا للعبد، فمثلًا ﴿آلم﴾ ﴿كهيعص﴾ الحروف المقطعة في القرآن، يذكر الشكوكاني في تفسيره ل”فتح القدير” قول أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، الخلفاء الأربعة كانوا يُسألون عن الحروف المقطعة ويقولون هو أمر لا يعلمه إلا الله، فينكر الشوكاني على الذين يتجادلون في هذه المسألة وقد يخرجون بحكمة تُخالف الشرع.
“إنما ذلك عِرق” ما بعد “إنما” يكون بيانًا لما قبلها أي لا تتركي الصلاة وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- الحكمة هنا بأن هذا عِرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وهذا بيان أن المرأة الحائض لا يجوز لها أن تصلي.
الأمر بعد الحظر يرجع الحكم له إلى ما كان قبل الحظر
الخوارج القدامى كانوا يأمرون المرأة أن تصلي وفي زمننا هذا هناك دعاوى أيضًا أن المرأة الحائض لا تترك الصلاة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهاها ثم بعد ذلك أمرها وهذه مسألة أصولية.
الأمر بعد الحظر يرجع الحكم له إلى ما كان قبل الحظر فمثلًا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فانتشروا هنا أمر بعد نهي لا يُفيد الوجوب، فالبيع قبل الصلاة كان مباحًا إذًا فهو مباح بعد الصلاة، ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ﴾ هذا لا يعني وجوب إتيان المرأة بعد الحيض لأنه قبل الحيض مباحًا بالجزء واجب بالكل، فالشيء قد يكون مباحًا بالجزء واجب بالكل وقد يكون محرمًا بالكل مباحًا بالجزء، قال تعالى ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ فالطعام مباحًا ولكن لا يجوز أن تمتنع مثلًا عن الطعام والشراب حتى تموت وتقول بأنه مباح وليس محرم، فالواجب بالكل هو ابقاء حياتك.
قال عبد الله بن المبارك: من ترك الطعام والشراب حتى مات دخل النار، وكذلك لا يجوز التقرب بها إلى الله فتكون كبيرة من وجه وبدعة من وجه وقد ذكر هذه المسألة الإمام الشاطبي في كتاب “الموافقات”.
“قال وللبخاري ثم توضئي لكل صلاة وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمدًا” هذا الحديث في الصحيحين وعند أبي داود وأحمد.
بعدما ساق البخاري الحديث وقال هشام قال أبي: “وتوضئي لكل صلاة” وهشام هو ابن عروة بن الزبير أخو عبد الله بن الزبير وخالته السيدة عائشة -رضي الله عنها-، وهناك معنيين لقول هشام أن أبيه قال وتوضئي:
المعنى الأول:
أن البخاري يقول أن هذه اللفظة ليست من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما هي مُدرجة من كلام عروة.
الإدراج: هو لفظه في المتن أو الإسناد ليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما من كلام الراوي.
فعندما يقول البخاري ثم قال هشام قال أبي أي عروة وتوضئي لكل صلاة فهو يقول بأن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة وأن الاستحاضة ليست ناقضة للوضوء لأن هذا كلام عروة وليس كلام النبي.
“أشار مسلم إلى أنه حذفها عمدًا” قال مسلم وهناك حرف لحماد لا أذكره.
الحديث جاء عن طريق حماد تلميذ هشام عن هشام عن عروة عن عائشة، ولفظة توضئي لكل صلاة جاءت عن طريق حماد، وتلاميذ هشام لم يذكروا هذه اللفظة وتفرد بها حماد إذًا فهذه اللفظة شاذة إذًا الاستحاضة ليست ناقض من نواقض الوضوء، وعلى هذا قال الإمام مالك -رحمة الله- بأنها ليست ناقض من نواقض الوضوء، وكذلك ربيعة شيخ الإمام مالك وطوائف من أهل العلم أجمعوا على أن هذه اللفظة شاذة.
المعنى الثاني:
في إسناد أبي داود والإمام أحمد وعند الإمام النسائي في سننه والشيخ الألباني -رحمه الله- في “إرواء الغليل” أتى بالأسانيد التي رويت من طريق غير حماد، وقبل الإمام الألباني أكثر منها ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري وهكذا أثبتوا أن هذه الرواية رويت من أخريين غير حماد، بل وقد رويت موصولة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يستلزم من إدراج إسناد أن الإسناد والمتن دائمًا مُدرج فقد يكون إدراج في اسناد لكنه في أسانيد أخرى من النبي -عليه الصلاة والسلام-، قد يذكر الراوي حديث كامل للنبي -عليه الصلاة والسلام- وفي بعض الأسانيد قد يذكر الراوي حكمًا مع أن الحكم أنه موجود في أسانيد أخرى ولكن يذكره هو حكمًا، فتظن أنت لأنك غير مطلع على الأسانيد الأخرى أن هذا الكلام منه هو وليس كلام النبي، فتحكم على الحديث بالإدراج، وتمر مثل هذه الأحاديث على الإمام البخاري والإمام مسلم ويذكرها ابن حجر والإمام الألباني -رحمه الله- والنووي.
هل الأمر بالوضوء لكل صلاة لأن الاستحاضة في نفسها حدث؟
في الحديث أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- فاطمة بنت حبيش أنت تصلى ودم الاستحاضة ينزل عليها فالدم نفسه ليس بناقض، وكما في حديث عائشة في صحيح مسلم كانت زينب تستحاض وتصلي من الليل وإنا لنضع لها الطست وإن الدم يسج سجا، أي يتدفق وهذا دليل على أن الاستحاضة ليست حدث في نفسها.
في رواية عند أبي داود في هذا الحديث قال لها النبي -عليه الصلاة والسلام- صلي وإن قطر الدم على الحصي.
فلو كان الدم حدثًا في ذاته لما أمرها النبي بالصلاة، والوضوء في هذه المسألة أمر تعبدي وعليها أن تتوضأ لكل صلاة.
هل الوضوء لكل صلاة فريضة ونافلة أم فريضة فقط؟
قد يقول البعض بأن النبي قال لها توضئي عند كل صلاة وهذا عموم شمولي ويقول البعض بأنه عموم ظاهر فيكون للفريضة فقط.
العموم الشمولي: هو ما استوت فيه أوصاف العبادات.
العموم الظاهر: هو الذي يحتمل معنيين ولكن في أحدهما أظهر.
فمثلًا عندما اختلفوا هل تذهب المرأة إلى العمرة أو الحج بغير محرم أم لا، قال ابن حزم لها ذلك ودليله أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لا تمنعوا إماء الله مساجد الله والمسجد الحرام ومسجد النبي يدخلان في العموم الشمولي، ولكن كلام النبي كان على الصلاة الظاهرة في المساجد المعلومة.
مثلًا التيمم يُعنى به القصد بأن فلان تيمم إلى بيت فلان, ويُعنى به العبادة وهو التيمم للصلاة.
إذًا حينما قال النبي “توضئي لكل صلاة” الصلاة إذا جاءت مطلقة هكذا فإنما هي للفريضة لأن النافلة تبعًا، الأمر الذي يمنع الوضوء في الفريضة والنافلة أن هذا سيكون شاق جدًا عليها والمشقة تجلب التيسيير وإذا ضاق الأمر اتسع ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾، كون الاستحاضة دم ينزل هذا يؤخذ منه بأن الدم ليس ناقض للوضوء، فإذا توضأ شخص وتبرع بالدم مثلًا فلا يُنتقض وضوؤه.
مسائل هامة:
هل يجوز قراءة القرآن للحائض من المصحف
الحديث الشاذ: تعريفه وحكمه وأمثلة عليه