ما هو حكم غناء النساء في الشرع؟
المسألة الأولى:
“جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-” هذه مسألة تَرُد على كل من يريد أن يُغرض بالإسلام بقولهم أن صوت المرأة عورة، والرد على ذلك أن صوت المرأة في ذاته ليس بعورة، وفي ذاته هذه مقصودة لأنه إذا قُرن بخضوع وفتنه فهذا محرم. وقال تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾
لم يقل الله ولا تقولن ولكن نهى عن الخضوع المقرون في الكلام أي أن يكون كلامها به شيء من الرقة لأن هذه تكون فتنه لذلك قال: ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾
ولكن صوت المرأة في ذاته لم يكن أبدًا عورة فعائشة -رضي الله عنها- كانت تُخبر بأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك باقي زوجاته كانوا يُخبرون بأحاديثه، وكذلك الصحابيات.
تعليق ابن القيم “علامة القلب السليم”
يقول ابن القيم -رحمه الله- في هذه المسألة “المرأة مطلوبة في نفسها فإذا تكلمت المرأة بخضوع فإن كل من يستجيب لهذا الكلام فليعلم دلالة واضحة أن قلبه به مرض”، وهذه علامة أن أيما إنسان نظر إلى امرأة أو سمعها فمال إليها فيعلم أن القلب به مرض.
وقال ابن القيم “فإن الأصل أن القلب السليم يستنفر من الحرام” أي يشمئز منه ولا يميل. فإذا مال القلب إلى محرم فليعلم أن قلبه به مرض فليسارع في علاجه.
تعليق ابن حزم”علامة القلب المريض”
ذكر ابن حزم في رسائله وهو يقول:
“كنت أعلم الناس بأمور النساء، لأنني رُبيت في بيت كانت النساء هي التي تربيني فكنت أعلم بهم من غيري وما اجتمع رجل بامرأة أو امرأة مع رجل وفي قلوبهم مرض إلا وفعل أحدهما شيئًا يريد أن يُظهر للأخر، أي يفعل أحدهما شيء لكي ينتبه إليه الآخر لذلك حرم الشرع المخالطة”
قال النبي -عليه الصلاة والسلام- “إياكم والدخول على النساء”. فإذا قدر الله أنك اجتمعت بنساء لأي علة فرأيت من نفسك أنك تريد أن تفعل شيء كي تنبههم لك اعلم أن قلبك به مرض وكذلك المرأة، يقول ابن حزم: وهذا أمر لا يُنكره أحد.
الذين يُجيزون الغناء إذا قال الله: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ فكيف تغني هذه النساء وهي تخضع بالقول والجسم وكل شيء، فإذا سَلَمِتَ حتى بأن الغناء مباح فوسائل المحرم محرم. لو أن إنسان يريد أن يفعل بمباح محرم صار المباح حرام فالوسائل لها أحكام المقاصد.
المسألة الثانية:
قول أن فاطمة بنت أبي حبيش -رضي الله عنها- تذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فتسأله، هذا فيه دلالة أن المرأة إذا كانت لها مصلحة وحاجة في أمر دينها أو دنياها ولا يقوم أحد غيرها فالأصل أن تقضيها هي، قال الله عز وجل ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾
التبرج من أصل البروج أو البرج; والبرج سُمي برج لعلوه وظهوره، “ولا تبرجن” أي ولا تظهرن فتخرجن، حيث أنه في الجاهلية الأولى المرأة كانت ولاجة خراجة.
لذلك في صحيح الإمام مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- رأى سودة وكانت سودة امرأة جسمية، فقال: أما إنه لا تخفين علينا، ارجعي، فرجعت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قالت: وكان النبي بين يدية أسامة بن زيد يكتب شيئًا من الوحي وكان النبي يضع فخذه على فخذ أسامة فقالت: يا رسول الله إني أردت بعض حاجتي فلقيني عمر فردني، قالت: فأخذه ما يأخذه من الوحي، قال أسامة: فكادت فخذي أن ترض، “ترض أي تُكسر لأن الوحي كان ثقيلًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾” ثم سري عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال إن الله قد أذن لكُنّ في قضاء حوائجكن.
والإذن لا يكون إلا بعد منع، فمثلًا أُذن للصائم في تقبيل زوجته، يقول ابن حزم فالإذن لا يكون إلا من بعد امتناع، هذا الإذن استثناء والأصل فيه المنع، وهذا الإذن مقيد لقضاء الحوائج سواء كانت في أمور دينية أو دنيوية.
إذا كانت المرأة يقوم بها أحد فالأصل أنه يُقَدَم كالزوج أو الأخ، فإذا لم تكن المسألة تستطيع في التفصيل أن تُفصل فلتذهب هي لتتكلم مع العالم وتُفصل له المسألة، لأن هذا الحديث فيه جواز سؤال المرأة للعالم فيما يهمها من أمر دينها.
المسألة الثالثة:
كما قالت عائشة في صحيح البخاري “رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من أن يتفقهن في الدين” مع أن بعض الناس قد يظنون أن السؤال فيه بعض الحياء ولكن يُمنع العلم من اثنتين عبد يستحي وعبد متكبر.
ابن عبد البر في بيانه للعلم وفضله قال: كلاهما جبال عالية عمن يريد طلب العلم، لا تستحي بسبب جهلك بأشياء لأن الذي تسأله جاهل بأشياء هو أيضًا فالعلم والجهل نسبيان فما تعلمه أنت قد يجهله غيرك وما يعلمه غيرك قد تجهله أنت، والجهل نسبي عرضي (وعرضي أي يزول بالعلم)، والأصل فينا الجهل قال تعالى: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ وقال: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي مدارك السمع والفهم فيجب عليك ألا تستحي أن تسأل عن شيء أو تتكبر في أن تسأل عن شيء.
قول الشوكاني عن المتكبر
يقول الشوكاني -رحمة الله- فإن المتكبر كالماء والماء لا يصعد إلى جبل عالي وإنما كلما كان المكان منخفضًا كلما جمع ماءًا أكثر لذلك المحيطات أكثر ماءًا لأنها أعمق، وكلما كان العبد أخلص لله كلما جمع علمًا فلا يمنعك حياء ولا كِبر عن طلب العلم.
إذا كان صوت المرأة هنا ليس محرمًا في ذاته فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال حينما كان يُصلي، وذلك في صحيح الإمام مسلم فسبح الناس حينما نسي النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: “إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء”، إذًا لم يأذن للنساء أن يتكلمن مع أنها في صلاة وذلك لحضور الرجال.
وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وشر صفوف النساء أولها، وذلك لأن النساء في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- كن يصلين خلف الرجال، وبذلك يكون الرجال أقرب إلى النساء مع أنهم في صلاة، فكن النساء في زمن النبوة يبتدرن الصفوف الأخيرة لأنها أبعد عن الرجال.
اقرأ أيضا: ما صحة حديث لا يرقون ولا يسترقون؟
اقرأ أيضا: ما الفرق بين الغيب المطلق والغيب النسبي؟
اقرأ أيضا: التقليد والاتباع محمد بن حزم